اختار البائع محمد صالح الذي يعمل في تجارة الخضراوات والفواكه رصيف مسجد في الدمام مكاناً لمزاولة مهنته التي يقول إنه مستمر فيها منذ ثلاث سنوات، وتدر عليه أرباحاً طيبة، وهو يعمل في مكان محدد لا ينازعه فيه أحد، فالبائعون بينهم اتفاق عرفي بعدم مزاحمة بعضهم بعضا على المساجد، فهذا الرصيف مملوك عرفاً لأحد الباعة، وذاك مملوك لآخر، ومن أراد رصيفاً لأحد المساجد، فلا توجد مشكلة، على البائع أن يختار المسجد الذي يريد من بين 3500 مسجد وجامع في الدمام. تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي البرد القارس، يعرض "صالح" وغيره من الباعة بضائعهم التي تختلف وتتنوع بين الخضراوات، والفواكه، مروراً بالعطور والملابس، وانتهاء بالأجهزة الإلكترونية، ولا يكاد يخلو مسجد من تواجد هؤلاء، حتى بات الناس يطلقون عليهم مسمى "باعة المساجد" في وصف يحدد مكان تواجدهم، ويكفي أن يذكر هؤلاء الباعة اسم المسجد لأي شخص يرغب في التعامل معهم، مما جعل لهم زبائنهم الخاصين. ويفضل هؤلاء الباعة العمل في هذا المجال، فهو لا يحتاج لرخصة من البلدية، ولا سجل تجاري ذي إجراءات معقدة، كما أنها فكرة للهرب من ارتفاع أسعار الإيجارات للمحلات التجارية المرخصة، فرصيف المسجد يكفي لاحتواء بضائعهم المتنوعة، كما أن البيع بهذه الطريقة لا يحتاج حتى لهوية شخصية، مما سهل على كثير من مخالفي أنظمة الإقامة والمتسللين من الدول المجاورة العمل في هذا المجال، في ظل غياب الرقابة. يقول "صالح" إنه يشتري بضاعته صباح كل يوم من الخضراوات والفواكه من السوق المركزي، ولأنه لا يحمل إقامة، يحمل البضاعة ويضعها أمام أحد المساجد، ويبيعها قبل وبعد الصلاة إلى المصلين والمارين من أمام المسجد. وعن الصعوبات التي تواجهه، خاصة وهو لا يحمل إقامة، ويقوم بعمل غير نظامي، يضيف "أكثر ما نخشاه هو مداهمة فرق تفتيش البلدية رغم أنها نادرة، فعند حضورها نهرب تاركين بضاعتنا، ونتوارى حتى لا يتم توقيع الغرامة المالية علينا والتي تصل إلى ألف ريال، وإحالتنا بعد ذلك للترحيل"، مشيرا إلى أن المداهمات لا تمنعه من الاستمرار، ومصادرة بضاعته عند الظهر لا تمنعه من العودة ببضاعة أخرى لرصيف المسجد في صلاة العصر. وأشار صالح إلى أن ما يشتريه من بضاعة بالجملة يعرضه للبيع بأسعار مرضية بعد إضافة هامش ربح، وأنه يراعى أن تكون الكميات التي يبيعها محدودة، حتى إذا تعرضت للمصادرة لا تكون الخسارة كبيرة. أما عبدالله هادي فيقول إن "البيع عند المساجد يحقق ربحا مضاعفا، كون المساجد مكانا يتوافد إليه الناس تلقائياً لأداء فروضهم الخمسة، مما يوفر عليهم الذهاب لأسواق الخضار، أو المحلات التجارية، حتى وإن كان الفرق في السعر بسيطا. على الجانب الآخر يفترش الكهل الآسيوي رفيق الرحمن ساحة المسجد الخارجية، عارضاً بعض أعواد السواك لبيعها على المصلين، فيقبل عليه الناس لشراء الأنواع الجيدة منه تأسياً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي استحب السواك عند كل صلاة، لكنه لم يخف رغبته في أن يصبح كزملائه بائعي الخضراوات، فهم حسب قوله أفضل منه حالا، وأكثر ربحا. وحذر مدير إدارة الأسواق في أمانة المنطقة الشرقية فهد البقعاوي من التعامل مع هؤلاء الباعة المخالفين، نظراً لما يترتب على ذلك من آثار سلبية صحية، لعدم صلاحية بعض المأكولات، مما قد يتسبب في أمراض، إضافة إلى كون البائع مجهول الهوية، وما ينتج عن ذلك من مخاطر، وزيادة اتجاه العمالة السائبة والمخالفين إلى هذه الأعمال، وتشويه المساجد التي أصبحت مكاناً للبيع والشراء، بدلاً من دورها المعروف في العبادة، وتفقيه الناس في أمور دينهم. وأضاف أن "فرق التفتيش في أمانة المنطقة الشرقية تبذل جهودا واسعة للحد من هذه الظاهرة، حيث صادرت خلال العام الماضي كميات كبيرة من البضائع المختلفة والمتنوعة، وجرى تسليم أكثر من 2874 صندوقا من الخضار والفاكهة خلال العام الماضي للجمعيات الخيرية وفق تعاون مشترك بيننا، وتفحص الجمعيات ما يرد إليها، وتتأكد من سلامته قبل توزيعها على المحتاجين". وأشار البقعاوي إلى أن "البلدية تفرض غرامة على البائع في حال ضبطه، تتراوح ما بين 500 إلى ألف ريال حسب نوعية المخالفة، كالعرض في سيارة، أو على الأرصفة"، إلا أنه ذكر أن المخالفين في الغالب يهربون من الموقع، ويتركون بضائعم التي تتم مصادرتها، تلافيا لتحمل قيمة الغرامة، أو لكونهم من مخالفي أنظمة الإقامة.