خمس سنوات مضت على الموافقة السامية لتحويل منزلي الرفاعيين وما حولهما بجزيرة فرسان إلى متحف يضم آثار فرسان ومكتبة عامة كان إنشاؤهما سيضمن لمثقفي فرسان قيام صرح ثقافي غني بآثار الجزيرة التي ما زال جزء كبير منها يحتاج للتنقيب والبحث. "الوطن" زارت موقع المنزلين التاريخيين وكان السكون عنوان المكان، فاتجهت لشاعر فرسان إبراهيم مفتاح الذي كان منشغلا بمراجعة أحد مؤلفاته في مكتبته الخاصة والتي يحتفظ إلى جوارها بمجموعة من آثار فرسان النادرة. وعما انتهى إليه مشروع تحويل منزلي الرفاعيين التراثي إلى متحف ومكتبة عامة، تحدث مفتاح عن بداية القصة بقوله: أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين لجازان عام 1427 قام وزير الثقافة والإعلام السابق إياد مدني بزيارة فرسان ضمن وفد ضم وكيل الوزارة للشؤون الثقافية السابق عبدالعزيز السبيل وشاهدا آثار فرسان المتمثلة في نقوشها وكتاباتها وحضاراتها القديمة التي يعود بعضها إلى ثلاثة آلاف عام التي تحوي أعمدة رومانية ونقوشا لخط المسند الجنوبي وشواهد قبور تعود إلى ديانات قبل الإسلام إلى جانب نقوش إسلامية من القرن الرابع الهجري، وبعد عودتهما إلى جازان تلقيت منهما بشرى صدور الموافقة على تحويل المنزلين إلى متحف لآثار فرسان ومكتبة عامة بعد إضافة المساحة اللازمة للمنزلين لإتمام المشروع. وعن الخطوات التي تلت هذه الزيارة يقول مفتاح: شكلت لجنة من المهندسين وكنت أحد أعضائها وحددت اللجنة مساحة المشروع 120 ألف متر مربع تضم ممتلكات مواطنين يجاورون الموقع، واقترح السبيل في زيارة لاحقة زيادة المساحة. وأضاف مفتاح "كنا ننتظر ممن عهد إليهم بالأمر تنفيذ الأمر الملكي، لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن. وعن معاناة مفتاح من أجل جزيرته فرسان، قال "منذ طفولتي كانت تجذب انتباهي أشياء كثيرة بسبب غرابتها كالحجارة المنقوش عليها أشكال ورسومات غريبة يصعب عليّ فهمها ولم أجد في تلك المرحلة إجابة لها وكانت لا تعني شيئا للآخرين غير إدخالها في بناء جدران منازلهم الحجرية حتى لو أدى الأمر لكسرها أو إتلافها وهو ما حز في نفسي كثيرا عندما نمت مداركي، مضيفا أن اهتمامه بهذه الأشياء جعل الناس تسخر منه خاصة عندما يشاهدونه في الأماكن الخربة أو بين المقابر القديمة. وعن ثمار هذا التعب والجهد يقول إبراهيم مفتاح: استطعت أن أوجد وعيا عند الآخرين لا سيما طلابي الذين كنت أعلمهم وأصبح الكثير منهم مصابا بعدوى الاهتمام بآثار وحضارات جزيرتهم، وأصبح منزلي مزارا لبعض الخبراء والعالميين والغربيين من جامعات كبرى كجامعة "السوربون" الفرنسية ورجالات جامعتنا السعودية. وحول وعده بتسليم الآثار التي يحتفظ بها في منزله للهيئة العامة للسياحة والآثار أنكر مفتاح أن يكون احتفاظه بتلك الآثار يأتي من باب التملك، قائلا "لم يراودني مطلقا شعور كهذا فاحتفاظي بها هو لأجل صيانتها وحمايتها من عبث العابثين بعد معرفتهم لقيمتها العلمية والآثارية. وعما يقلقه على جزيرته فرسان أكد أنه يود تصحيح معلومة مهمة عن عدد جزر فرسان فقد بلغت بعد آخر إحصائية 262 جزيرة لم يسكن الإنسان سوى ثلاث، فرسان والسقيد وقُمَّاح. وأخوف ما أخافه على هذه الجزر ما وصف به شاعرنا الراحل محمد السنوسي أراضي جازان: عذارى لم يفض لهن ختم/ ولا كشف النقاب لها نقابا، وقول المتنبي "على قلق كأن الريح تحتي". يذكر أن منزلي الرفاعيين بفرسان تعود إلى عهد ازدهار تجارة اللؤلؤ في الجزيرة، وذلك منذ أوئل القرن الرابع عشر الهجري ورحلات التجار إلى بلاد الهند وتأثرهم بالحضارات الشرقية ومحاولة نقلها لفرسان بجلب الخامات الأساسية كالأخشاب الثمينة والدهانات.