لم تكن البداية المحلقة في عمق التراث ومقاطع العود والكمان الهادئة، توحي أن محاضرة الدكتور تركي الحمد مساء أول من أمس ب"ملتقى نجران الثقافي" ستدخل في عمق النار السياسية التي تجتاح العالم العربي، حيث تجمع في يد مدير المحاضرة محمد زايد الألمعي حوالي 100 سؤال، قدمها أكثر من 500 شخص حضروا في إحدى القاعات الخاصة للاستماع إلى الحمد وهو يتحدث عن "الثورات العربية وواقع التغيير"، وهو ما دفع الألمعي للقول "أتمنى أن أجد عشر هذا الحضور للحمد أو غيره في إحدى مدن المملكة الكبرى". وكان ملتقى نجران الثقافي وهو( تجمع شبابي أهلي مستقل) دعا الحمد لزيارة منطقة نجران والالتقاء بجمهوره هناك، فتم تجهيز برنامج حافل للزيارة، اشتمل على معرض مصغر يحكي بعض مفاصل الثقافة التقليدية العريقة التي تمتد إلى ما قبل "الأخدود"، وبعض الحرف اليدوية، ثم وفجأة ينتقل الزائر إلى الحاضر فيجد الفنان التشكيلي يرسم لوحته العصرية وبجواره الفنان الفوتوجرافي الذي وثق أبرز معالم نجران وحياتها اليومية، ولم يكن بعيدا عنهم عازفا العود والكمان اللذان أضفيا على المكان بعدا آخر، مما جعل الحمد والألمعي والحضور يقفان بصمت ليتركوا للموسيقى الحديث. في داخل القاعة التي غصت بالحضور، بدأ الألمعي بالتأكيد على أن الجميع أتى لهذا المكان من "أجل الوطن ووحدته المبنية على تساوي الجميع في الحقوق والواجبات". ثم أعطى الحديث للدكتور الحمد الذي قال "بما أننا في وقت يضج بالثورات في أجزاء متعددة من العالم العربي، فإنني سأتحدث معكم وأستمع إليكم في هذا المساء عن أسباب ونتائج هذه الثورات". وبعد تمهيد بسيط قال الحمد" في رأيي أن هذه الثورات لم تأت إلا بعد تلكؤ الأنظمة العربية في إجراء إصلاحات جذرية، تعطي المواطن كافة حقوقه المشروعة". وعن التخوف من أن تؤدي هذه الثورات إلى فتن طائفية وقبلية، أكد أن" هذا التخوف في غير محله، في حال تحول المجتمع إلى مجتمع مدني يحمي حقوق الجميع". وأضاف" كانت وما زالت مشكلة المواطن العربي أنه يشعر أن كرامته منقوصة وأنه يعيش في أجواء بوليسية، وأعتقد أن هذه الثورات كسرت الخوف وأعطت الأمل في كرامة للمواطن داخل أرضه". وعن دور المثقف العربي في إشعال الثورات قال "شخصيا لا أعتقد أن للمثقف أي دور في ذلك، فمن أشعلها هم فئة من الشباب متحمسة للتغيير والإصلاح". ولم يغب الحديث عن إيران عن المحاضرة فأجاب الحمد عن سؤال عن حقيقة عداء إيران للعرب وخصوصا المملكة قال "المشكلة في النظام السياسي الحاكم في طهران، فهو يريد إشغال شعبه عن مشكلاتهم الداخلية بافتعال أزمات خارجية، كما يفعل بعض الزعماء العرب تحت غطاء لا صوت في صوت المعركة".