يتكئ نص مسرحية الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، على أحداث معركة "داحس والغبراء" الشهيرة التي امتدت نحو أربعين عاما وخلفت وراءها كثيرا من الآلام التي أدت إلى تمزق النسيج العربي في فترة تاريخية مبكرة. ويكشف سيناريو العمل الذي كتبه الدكتور شادي عاشور وأخرجه رجاء العتيبي عبر عدد من اللوحات الفنية، عن حالة من الاشتغال على النصوص الشعرية التي تركها زهير بن أبي سلمى، في إشارة واضحة إلى هول الأحداث التي شهدتها داحس والغبراء التي تنطلق منها أحداث المسرحية بعيدا عن شخصية الشاعر التاريخية. ويبدو أن التوظيف الفني يكشف عن سيطرة أحداث تلك الموقعة الشهيرة منذ البداية حين يشق السكون أنغام رعب مهولة تتبعها كما يشير النص ومضات برق تجرح العتمة بإصرار ثم تهدأ فنشاهد بصيص ضوء يلمع تدريجيا حتى يتحول إلى وشاح لامع يرفرف وسط الفضاء... تتضح ملامح الوشاح تدريجيا لنشاهد زهيرا يتكون داخله وكأنه طفل يخطو أولى خطوات الحياة.. وعلى وقع موسيقى متناغمة تتسلل إلى المسامع بخفة وكأنها تنبعث من قلب الكون نسمع صوت زهير يلازم حركاته. وهكذا يخرج مقطع المسرحية الأول، ليقدم عبر كمية لافتة من المؤثرات البصرية والصوتية، شخصية حكيم شعراء الجاهلية كما تروي أدبيات العرب عبر أبياته الشهيرة: مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ ويحاول النص استلهام أحداث داحس والغبراء وإسقاطها بشكل غير مباشر على ما يدور اليوم من أزمات متتالية يشهدها العالم العربي والإسلامي، وربما يكون الحوار بين شخصية قيس وزهير بن أبي سلمى خير مصداق للحديث الذي يتفوه به حكيم الشعراء حين يقول ردا على سؤال قيس الملح له: أين أنت قبل أربعين سنة يا زهير؟ فيرد الأخير: لست كاهنا تطير الكلمات المبجلة إلى مجلسه رجما بالغيب لكن الشعر مملكتي حكيم أنا بها تطير الأبيات الملهمة إلي بأجنحة القوافي. ويمضي زهير الحكيم هناك قائلا: لقد مزقت الحرب الآثمة آخر معاني القيم العربية الأصيلة التي تصلكم ببعض (بألم).. أربعون سنة والعين تدمع والحرب تطعم رمل الصحراء أشلاء عربية حزينة غلبها الأسى... أربعون سنة يا داحس والغبراء. المقطع الأول من مسرحية زهير بن أبي سلمى زهير: مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِلُّ لأَهْلِهَا قُرَىً بِالْعِرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَمِ قيس (بغضب) كانت الحرب بين عبس وذبيان في بدايتها أشد احتياجا لك من حضورك اليوم، أبعد ما هلك العباد وتمزقت القبائل... أبعد كل ذلك تتفتق عن حكمة مهولة لتقول: متى تبعثوها تبعثوها ذميمة!! قتيل 2 أو قال ذلك...؟ قيس أين أنت قبل أربعين سنة يا زهير؟؟ زهير لست كاهنا تطير الكلمات المبجلة إلى مجلسه رجما بالغيب، لكن الشعر مملكتي حكيم أنا بها تطير الأبيات الملهمة إلي بأجنحة القوافي. قتيل 2 (بحدة) أين أنت منذ ذلك الوقت... منذ أربعين سنة؟ زهير (ينتفض) كنتم سكارى مطامع الحياة المبهرجة، تتهافتون على المنفعة والمصلحة، على الخيل والجمال المتأنق بذاته، وكأن في آذانكم وقرا وفي عيونكم الليل. قيس (يقاطعه بحدة) قلت لك أين أنت من أربعين سنة؟ زهير (يكمل) ما كان منكم من أحد يقبل أن يرى إلا داحس والغبراء (بهدوء) كانت الحكمة حاضرة ولكن الطيش كان أعلى صوتا... وبعدما أنهكتك الحرب أيها العبسي كنت الآن أكثر إنصاتا من ذي قبل. قيس (متضجرا) آه .. يا زهير يا زهير.. ماذا تريدني أفعل، لا إرادة لي الآن، لا نومي نوم ولا صحوي صحو... آه لا حربي حرب ولا سلامي سلام. قتيل 3 ولا حالك هو أفضل من حالي أيها العبسي... وإن لم يعد للصحو معنى بعدما كان... زهير لقد مزقت الحرب الآثمة آخر معاني القيم العربية الأصيلة التي تصلكم ببعض (بألم).. أربعون سنة والعين تدمع والحرب تطعم رمل الصحراء أشلاء عربية حزينة غلبها الأسى ... أربعون سنة يا داحس والغبراء. ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة وذبيان هل أقسمتم كل مقسم وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم (ظلام)