بعد أن كانت مظاهر الوجاهة الاجتماعية محصورة في تصاميم المنازل و"فخامة" السيارات وأخيرا دخلت"مزاين الإبل" على الخط، يبدو أن الرواية والجدل المحلي حولها، أغرى الكثير من طالبي الشهرة وهواة الأضواء بالدخول إلى عالمها في استسهال عجيب. هذا الرأي ليس انطباعا شخصيا بل أحد أهم نتائج دراسة أكاديمية أجراها أكاديمي سعودي متخصص في الأدب، حصل إثرها قبل أيام على درجة الدكتوراه ( تخصص دراسات أدبية) من جامعة القاهرة. وقال عضو هيئة التدريس بجامعة نجران الدكتور زهير العمري إن تتبعه لواقع الرواية السعودية خلال رسالته التي جاءت تحت عنوان( الرواية السعودية وتحولاتها الموضوعية والفنية من عام 1990م إلى عام 2008م دراسة تحليلية فنية )، ووقعت في 394 صفحة، أثبت أن من أهم المعضلات التي تواجه الرواية المحلية هي (كتابة الكثيرين لها من خارج الوسط الأدبي والفني, حتى أصبحت مظهراً من مظاهر الوجاهة في المجتمع السعودي، يضيفها أي كاتب مهما كان، إلى سيرته ليحصل بها على لقب روائي). وأضاف (يبدو واضحاً أن هناك الكثير من المبتدئين الذين أغوتهم كتابة الرواية, فانساقوا إليها, طلباً للشهرة والذيوع, فانتشر ما يسمى الكتابة الشبابية, والتي تتطرق لمشاكل الشباب مع الفراغ والبطالة, والعلاقات بين الجنسين). كذا لا حظ الباحث (غيابا للرواية التاريخية في النص الروائي السعودي, وعدم الاهتمام بالموروث سواء الديني أو الوطني). ودلل على ذلك بالقول (على الرغم من وجود أعظم مكانين مقدسين في العالم فإن الرواية لم تهتم بعرض هذين المكانين في عمل روائي يبرز مكانتهما, وعظم قدرهما بما يوازي ما قدم في مضامين أخرى). وفي مقابل ذلك يؤكد الباحث على أن ( المكان في الرواية، استخدم بشكل سلبي، كما في الروايات التي اختارت اسم السعودية, أو الرياض بوصفها دلالة على الانغلاق والتحجر والتخلف, وجدة باعتبارها رمزاً للتحرر والانعتاق من القيود, وكأن هؤلاء الروائيين لا يرون في بلدهم مظاهر إيجابية تدعوهم إلى التغني به). وإضافة إلى سوء استخدام المكان كما قال العمري يرى أن ( روايات هؤلاء الذين اختاروا اسم المكان الذي يثير شهية القارئ الباحث عن الفضائح والمغامرات في الغالب كانت ضعيفة من الناحية الفنية, وكان تركيزهم منصباً على تكرار صور نمطية عن الجوانب السلبية في مجتمعهم ونعته بأقسى العبارات المؤلمة, مع ذلك نال هؤلاء بعض الشهرة وخلعت عليهم صفات مبالغ فيها لا تعكس تقييماً موضوعياً بقدر ما تعبر عن توجه مغرض في نقد المجتمع السعودي). وعن المنهج البحثي الذي اتبعه للوصول إلى هذه النتائج، قال العمري (اعتمدت منهج البحث عن التوثيق التاريخي, والتحليل النقدي لمجمل القضايا المطروحة، وخلصت إلى نتائج قد تكون لها أهميتها في الدراسات المستقبلية للرواية السعودية). ولأن الجانب المظلم لم يكن هو المسيطر على واقع الرواية المحلية يرصد الباحث الكثير من عناصر القوة ومنها (أن بعض الروائيين كانوا موضوعيين في عرضهم للقضايا والمضامين التي لامست المجتمع السعودي, وتطرقوا لموضوعات محظورة في عُرف المجتمع من خلال توظيفها في النص الروائي, وحاولوا بجرأة واضحة النبش في المسكوت عنه, ومع ذلك أظهر تطوراً لافتاً في مناقشة تلك المضامين؛ وتمثل التطور في كثرة الإنتاج الروائي وتنوعه, ومناقشته مضامين اجتماعية وسياسية حساسة, مما لفت نظر القارئ العالمي والعربي إلى الرواية السعودية. ولعل ذلك يفسر ترجمة الكثير من الأعمال الروائية إلى لغات مختلفة في السنوات الأخيرة, وذيوع الكثير منها في العالم العربي). وأضاف(كذلك أسهمت الرواية السعودية في عرض قضايا المرأة بشكل كبير وغير سبوق, ولفتت الانتباه إلى خطابها, وأوصلت مطالبها وصوتها إلى العالم كله. وقد تكون الرواية هي الخطاب الأنثوي الأول الذي حمل الكثير من أحلامها وآمالها) وختم العمري حديثه قائلا "عموما وفي ظل الازدهار الكمي للرواية السعودية, وحضورها الكبير في المكتبات العربية، وضح الغياب النقدي حولها، مما أضعف القيمة الفنية لهذه الروايات, وغابت الرؤى الفنية التي تحلل هذه الروايات, وتوضح عيوبها, مما أوجد روايات ضعيفة, وأسهم ذلك في المزيد من انتشارها، خاصة في ظل المجاملات من بعض الأقلام النقدية التي تسبغ على هذه الروايات صفات مبالغ فيها على أغلفتها).