داخل مسجد قديم في دمشق يخرج الشيخ سارية الرفاعي عن نص الخطب التي تقرها الحكومة ليحذر الرئيس السوري بشار الأسد من أن الدولة بأسرها ستنتفض ضده إن لم يوقف الحملة الدموية ضد المحتجين. وقال الرفاعي في خطبة ألقاها في صلاة الفجر في اليوم الأول من رمضان فيما دخلت الدبابات مدينة حماة "اعلموا بأن صوتي وبأن كلماتي الآن ستصل إلى القيادة وسأحذرهم جميعا بأن سورية بأسرها ستقوم إن لم ينسحب الجيش وإن لم يفرجوا عن المعتقلين وإن لم يهدئوا هم وهم يطالبون بالتهدئة... أقول أحمل القيادة مسؤولية هذه الأعمال الشنيعة الخبيثة.. أحملهم ذلك وليصل كلامي إلى الجميع. لا أريد أن أسمع عصابات مسلحة أو شيئا من هذا الكلام. إن القيادة هي المسؤولة عن كل قطرة دم تسال من أبناء شعبنا في هذا البلد الكريم". وتابع "ما كنت أظن أن قيادة هذا البلد ستقدم هدية لشعبها ولبلدها دماء تسال وأرواحا تزهق في حماة وفي جميع المحافظات السورية". وشوهدت تعليقات الرفاعي في وقت سابق هذا الشهر داخل مسجد زيد بن ثابت في تسجيل فيديو على الإنترنت، وأكد مصلون شاركوا في الصلاة صحتها. والرفاعي ركيزة لمؤسسة دينية محافظة مرتبطة بالحكومة وهو ينتمي إلى طابور طويل من علماء الدين الذين علموا أجيالا من الأتباع المخلصين وابتعدوا عن تحدي القبضة الحديدية لعائلة الأسد. ولكن بعد ارتفاع عدد قتلى الحملة الأمنية ضد الاحتجاجات المستمرة منذ خمسة أشهر إلى أكثر من 1700 شخص انضم الرفاعي إلى 19 من رجال الدين البارزين للتوقيع على التماس نادر يلوم الأسد على ارتكاب مجازر عشية رمضان "شهر التراحم والمواساة". ويقول رجال دين ومحللون إن بداية شهر رمضان تزامنت مع بدء أكثر أسابيع الاحتجاجات الشعبية دموية مما دفع بعض الأئمة إلى الخروج عن صمتهم. وربما تزيد هذه الجرأة التي أظهروها مؤخرا الضغط على الأسد وتعطي قوة دفع إضافية للاحتجاجات ضد حكم الأسد. وفي محاولة لتجنب المعارضة كثفت قوات الأمن في رمضان من اعتقالاتها لرجال الدين الذين يعرف عنهم اجتذاب أعداد كبيرة بخطبهم الحماسية المناهضة للحكومة. ويقول نشطاء إن البعض اختاروا الاختباء. وفي درعا حيث تفجرت الاحتجاجات في مارس الماضي يقول مقيمون إن الشيخ أحمد صياصنة لا يزال قيد الإقامة الجبرية في مجمع سكني بالقرب من مقر الجهاز الأمني بالمدينة بعد انتقاده السلطات في وقت سابق. ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن "في رمضان تم جمع الشيوخ الذين تحدثوا ضد النظام واعتقالهم، لأنهم يؤثرون على الناس ويثيرون المشاعر للانضمام إلى الاحتجاجات". ويتناقض الأئمة المعارضون مع علماء دين آخرين يعتمدون على الحكومة لكسب رزقهم والذين على الرغم من أنهم ربما لهم شكاوى من حكم الأسد فإنهم يلقون خطبا تزخر بالدعم لعائلته التي تحكم البلاد. ومن على منبر المسجد الأموي في دمشق ساوى الشيخ سعيد رمضان البوطي بين من ينادون بإسقاط النظام ومن يسعون إلى النيل من الإسلام. ويقول شهود إن أعداد المصلين في المسجد التاريخي الذي كان يكتظ بهم ذات يوم تضاءلت، لأن أئمته يعتبرون أبواقا للأسد بينما تستقطب مساجد أخرى المحتجين. الشيخ معاذ الخطيب الذي منع من إلقاء الخطب في الأعوام الخمسة عشر الماضية بعد إقالته من منصبه كإمام للمسجد الأموي انتقد رجال الدين الموالين للأسد لعدم إدانتهم للحملة العسكرية المكثفة على المحتجين. وقال الخطيب الذي سجن لمدة شهر خلال الاحتجاجات من دمشق "بعض الرموز الكبيرة في المؤسسة يجب أن تكون مظلة تجمع بين الدولة والناس لا أن تنحاز لأحد الأطراف". والخطيب واحد من قلة من رجال الدين الكبار المناهضين للأسد الذين لا يزالون داخل سورية صامدين في وجه عقود من القمع. وفر آخرون من قمع حزب البعث الوحشي لجماعة الإخوان المسلمين والذي بلغ ذروته في عام 1982 حين سحقت انتفاضة مسلحة للإسلاميين في حماة قتل خلالها عدة آلاف. ويقول اندرو جيه تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن حملة الأسد على حماة في بداية رمضان تظهر عدم الاكتراث بمشاعر الأغلبية السنية. ووصف تابلر الحملة بأنها "حسبة غريبة من نظام تهيمن عليه الأقلية العلوية التي نفذت مذبحة في نفس المدينة عام 1982". وفي حماة لم تلهب الأضرار التي لحقت بعشرات المساجد مشاعر السكان الذين ينتمون للأغلبية السنية المحافظة دينيا وحسب، بل أيضا أحيت ذكريات وقت دمر فيه وسط المدينة ورموز للتراث الإسلامي. وقال الشيخ أحمد العلواني الذي كان يخطب في مسجد معاذ بن جبل بحماة وهو أحد المساجد التي تحمل آثار أعيرة نارية من جراء الحملة التي شهدها شهر رمضان إن السلطات تريد إثارة رد فعل عنيف من السنة لإغراق سورية في صراع طائفي. وفي دولة تحظر فيها التجمعات السياسية تظل المساجد بؤرة الاحتجاجات. كما عرضت السلطات على التلفزيون الحكومي اعترافات مزعومة لمعتقلين تحدثوا عن استخدام المساجد كمراكز لتخزين الأسلحة للجماعات المسلحة التي تقول الحكومة إنها تحرض على الاحتجاجات. وقال الشيخ مجد أحمد مكي رجل الدين البارز الذي فر من بلدته حلب عام 1980 والعضو الرئيسي في هيئة علماء المسلمين التي تجمع أكثر من 150 من كبار علماء الدين في المنفى إن الأسد لا يستطيع مواصلة الاعتماد على أئمة المؤسسة لتبرير القتل. وأضاف "النظام بسفكه دماء الأبرياء قد أحرج حتى أقرب الناس إليه. لا أجد الآن أي رجل له عمامة ومكانة يمكن أن يدافعوا عنه. إنه نظام قاتل".