خمسة أعوام والمثقفون والأدباء العرب على موعد "صيفي" مع الشعر والإبداع والندوات وتكريم المبدعين والمتميزين في مجالات الشعر والتصوير الفوتوجرافي والحرف اليدوية، حيث التقاء الفنون على أرض سوق "عكاظ" ذاتها، التي اختير لها أن تعود إلى موقعها التاريخي حين كان العرب القدماء قبل 14 قرنا "يتعاكظون" هناك على بعد مسافة 40 كيلومترا تقريباً من شمال شرق الطائف. يدخل سوق عكاظ هذا العام موسمه الخامس، حاملاً تاريخاً عريضاً سطره المؤسسون لفنون الشعر والخطابة العرب قبل 14 قرناً، وخبرات متراكمة جمعها في السنوات الأربع الماضية، مقدماً منتجا متنوعا من الأنشطة والبرامج الثقافية والأدبية والتراثية والعلمية، أهلته ليكون واحداً من أهم الأحداث الثقافية العربية المعاصرة. يقول أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، الذي أيقظ سوق عكاظ التاريخي من سباته الطويل ليكون شعلة مضيئة للثقافة والأدب، مؤكدا أن سوق عكاظ هو مشروع القرن: نحتفل بسوق عكاظ العربي الإسلامي الذي ابتدأ في عصر الجاهلية، واستمر في العصر الإسلامي، وها هو اليوم يعود في العهد السعودي برعاية خادم الحرمين الشريفين، بسواعد وبإرادة عهد المتنور، لإعادة الثقافة والفكر والإبداع إلى بلد الثقافة والفكر والإبداع، وإلى هذا المجتمع الذي أراد له الله سبحانه وتعالى أن ينهض في العهد السعودي المستنير. وبعد أن كان سوق عكاظ في الماضي، كما يصفه الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري بالقول "جامعة مفتوحة لتخريج شعراء جدد مؤثرين في المقام الأول في اللغة العربية ومثرين لآلياتها وأدواتها، تفننوا في استنطاق مكامنها الأدبية، وميدانا ضخما لمنافسات شعرية بين أسماء خلدت قصائدها حتى يومنا الحالي، عاد السوق ليؤدي دوراً مشابهاً بنمط حضاري مغاير يواكب العصر. وإذا غاب عن انطلاقته الجديدة "جسداً" كل عمالقة الشعر العربي القديم: النابغة الذبياني، والخنساء، وامرئ القيس، فإن خيامهم حضرت كمضافات لأسماء جديرة بالاحتفاء والتكريم. أمين اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ الدكتور سعد بن محمد مارق أوضح أن السوق كرم في سنواته الأربع الماضية عشرات المبدعين في مجالات الشعر، والخط العربي، والتصوير الضوئي، والفن التشكيلي، والحرف اليدوية. وأضيفت في هذا العام جائزة جديدة هي جائزة "الإبداع والتميز العلمي"، وهي تهدف إلى تكريم المبدعين في مجال البحث العلمي ومبتكري الاختراعات التي تخدم البشرية. وأضاف مارق أن سوق عكاظ قدم في نسخه الأربع السابقة إبداعات كبار الشعراء والأدباء والمثقفين والمفكرين السعوديين والعرب، من خلال أنشطته وبرامجه التي شملت الندوات والمحاضرات الثقافية والفكرية والأمسيات الشعرية، وتميز في عامه الرابع بإضافة برنامج "تجارب الكتّاب"، مؤكدا استمرار السوق في تنظيم البرنامج في هذا العام، بإتاحة الفرصة لمجموعة جديدة من المفكرين والكتّاب العرب لعرض تجاربهم في التأليف والكتابة، من خلال عقد ندوات ومحاضرات، وتخصيص جناح لكل منهم لعرض مؤلفاته واستقبال الزوار الراغبين في اقتنائها. مشيرا إلى أن سوق عكاظ استعاد في انبعاثه الجديد تفاصيل كثيرة من سيرة السوق الأولى، من خلال عروض جادة عكاظ، التي حظيت بإقبال كبير على متابعتها من الزوار من الأفراد والعائلات، ومن بينها حي عكاظ، حيث نصبت بيوت الشَعَر المصنوعة من مواد خاصة وجهزت من الداخل على الطراز العربي، لتحاكي أحياء العرب التي كانت تقام في السوق قديماً حيث اشتملت العروض أيضاً على أعمال مسرحية درامية تاريخية متنوعة "مسرح الشارع"، مثلت جوانب الحياة والأنشطة التي كان يشهدها سوق عكاظ قديماً وقدمت باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عروض أخرى لإلقاء الشعر العربي الفصيح وخصوصاً "المعلقات" والخطب البلاغية التي بنيت عليها شهرة سوق عكاظ، ويؤدي تلك الأعمال ممثلون محترفون وهواة على طول الجادة. وأوضح مارق أن السوق استعاد جانباً من تفاصيله القديمة برؤية عصرية حديثة عبر أعمال مسرحية متميزة جسدت في العامين الماضيين شخصيتي الشاعرين امرئ القيس وطرفة بن العبد، فيما تعرض في هذا العام مسرحية جديدة عن الشاعر زهير بن أبي سلمى، ويتوقع أن يشهد السوق في الأعوام السبعة المقبلة تجسيد بقية شخوص شعراء المعلقات العشر، مضيفا أن السوق يضم محالاً لتسويق أعمال الأسر المنتجة كالمأكولات الشعبية والحديثة والمقاهي، إلى جانب المنتجات الزراعية والفواكه المنتجة في محافظة الطائف والمدن القريبة منها، ومحالاً لعرض وبيع المقتنيات والقطع الأثرية، وأخرى لبيع الهدايا التذكارية التاريخية اليدوية، مثل المعلقات المكتوبة على رقاع من الجلد وغيرها والصخور المنحوتة عليها أبيات شعر من قصائد المعلقات. وشهد السوق منذ انطلاقته أعمال تطوير عديدة، بدأت بتنفيذ أعمال البنية التحتية، كتوفير خدمات المياه والكهرباء والهاتف وأعمال السفلتة وغيرها وبناء الخيام بالفعاليات ومرافق الجادة، وتطورت إلى وضع حجر الأساس لتنفيذ مشروع خيمة سوق عكاظ، التي ستكون أكبر منشأة في السوق. وتقع الخيمة التي تعد أكبر خيمة خرسانية من نوعها في المنطقة على مساحة أربعة آلاف متر مربع، وتصل كلفة إنشائها الإجمالية 36 مليون ريال. ومن المقرر أن تنفذ خلال الفترة المقبلة مشاريع تطويرية أخرى لمصلحة سوق عكاظ، منها مشروع إنشاء طريق يربط بين مطار الطائف والسوق بتكلفة تصل إلى 60 مليون ريال. يمكن القول، إنه بعد مرور السنوات الأربع الماضية فإن مشروع تطوير سوق عكاظ الذي يحظى باهتمام خاص من أمير منطقة مكةالمكرمة، يعكس رؤية تطوير شاملة تهدف في المقام الأولى إلى تنمية الإنسان بالتوازي مع تنمية المكان، من خلال برامج اقتصادية وثقافية حديثة، ومورد اقتصادي واستثماري يحقق التنمية المستدامة لمحافظة الطائف على مدار العام. على أن نجاح السوق في السنوات الماضية واستمراره للعام الخامس على التوالي هو نتاج ثمرة تكامل جهود جهات حكومية عدة، على رأسها إمارة منطقة مكةالمكرمة، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة والإعلام، ومحافظة الطائف، وجامعة الطائف، قبل أن تنضم إلى هذا الحشد في هذا العام وزارة التعليم العالي بإطلاقها برنامج "عكاظ المستقبل" وإشرافها على جائزة "الإبداع والتميز العلمي". يذكر أن اللجنة الإشرافية للسوق ستعلن غدا أسماء الفائزين بجوائز هذا العام وسيتوجون خلال حفل الافتتاح في 22 شوال المقبل.