تراجع قاضي المحكمة العامة بمكة المكرمة عن حكمه الذي سبق أن أصدره بتسليم الطفل راكان البركاتي إلى جده بسبب التعذيب الذي تعرض له والذي صادقت عليه محكمة الاستئناف ممثلة في الدائرة الأولى للأحوال الشخصية والأوقاف والوصايا والقصار وبيوت المال. وقرر القاضي أول من أمس إبقاء راكان مع والدته بعد أن رفض الذهاب مع جده وأصر على البقاء مع والدته، وهو ما دفع القاضي إلى الطلب من جد الطفل مراجعة محكمة الاستئناف إذا أراد الاعتراض على الحكم الجديد. وكانت "الوطن" قد نشرت في الحادي عشر من فبراير الجاري الحكم القاضي بتسليم الطفل إلى جده، وكذلك رفض الطفل للحكم، حيث جاء في الخبر أن طفلاً معنفاً يرفض حضانة جده بعد نقض حكم بتسليمه لدار الرعاية، فيما الأبوان يتبادلان الاتهامات بتعذيب الابن ومحكمة التمييز تفضل تسليم الطفل لأحد الأقارب. وكانت إدارة الحقوق المدنية أحضرت الأم وألزمتها بتنفيذ الحكم الشرعي الصادر من القاضي والذي قرر فيه تسليم الطفل لجده، إلا أن الطفل حينما حضر مع والدته رفض الذهاب مع جده وأصر على البقاء مع أمه، وقامت إدارة الحقوق المدنية بتحرير محضر بالواقعة وبعثه للقاضي، الذي اجتمع أول من أمس مع الطفل واستمع لكلامه، وعلى ضوء ذلك عدل عن حكمه السابق وقرر إبقاءه مع أمه. من جهته، بين جد الطفل المواطن غالب البركاتي أنه "بعد رفض الطفل الذهاب معي بموجب الحكم الصادر من المحكمة العامة وبتحريض من أمه أعادت الحقوق المدنية المعاملة إلى القاضي الذي فؤجئت بتراجعه عن حكمه السابق"، مؤكدا أنه سيتقدم بلائحة اعتراضية على الحكم الجديد لدى محكمة الاستئناف لحماية الطفل من التعذيب. وكان والد الطفل رفع دعوى ضد أم الطفل (طليقته) يشير فيها إلى أنه عند زيارة ابنه وجده مضروبا ضربا مبرحا وعليه علامات تدل على التعذيب إضافة إلى منعه من زيارته، مطالبا بتسليمه الطفل كون الأم غير مؤهلة لتربيته. وعند سؤال الأم من طرف القاضي اعترفت بمنع الأب من الزيارة خوفا على الطفل من والده وأهله. وأما بشأن آثار التعذيب على الطفل، فقالت إن راكان جاء من عند والده بهذه الصورة، ولذا رفعت ضده دعوى لدى هيئة التحقيق والادعاء العام، وقام ناظر القضية بالاستفسار من هيئة التحقيق والادعاء العام التي ذكرت أن الدعوى حفظت لعدم كفاية الأدلة، وأرفقت ملخصا يتضمن أن مركز شرطة الكعكية تلقى إخبارية من والد الطفل يفيد فيها أن الطفل (راكان) تعرض للضرب من قبل أمه وصدر بحقه تقرير طبي يتضمن وجود رضات بالوجه بجانب العين اليمنى وسحجة قرب العين وآثار ضربات بالأطراف العلوية، وأنكرت أم راكان قيامها بالضرب متهمة والده بضربه. وأصدر ناظر القضية حكما بتسليم الطفل لدار الرعاية الاجتماعية، لأن جرائم الاعتداء على الأطفال جريمة شنيعة تستوجب اتخاذ إجراءات لمنعها، لكونها إضرارا بالأبرياء وإفسادا لنبتة صالحة فطرية لتخرج بعد ذلك آثار سلبية على المجتمع، إضافة إلى أن الوالدين كل واحد منهما يدفع التهمة عن نفسه، والطفل لم يتم إلحاقه بالدراسة إلى الآن. واعترض الأبوان على الحكم لدى محكمة الاستئناف (التمييز) التي درست الحكم ولائحة الدعوى المقدمة من الأبوين كل على حدة، وأعادت الحكم لفضيلة ناظر القضية لملاحظة أن فضيلته حكم بتسليم الطفل لدار الرعاية الاجتماعية لتتولى حضانته، فهل انقطع أقارب الطفل؟ فعلى فضيلته الرجوع إلى كلام الفقهاء في هذه المسألة. وأعاد القاضي النظر وقرر تسليم الطفل لجده لأبيه ليتولى حضانته ورعايته، وعرض الطفل على دار الرعاية دوريا لتفقد وضعه وتزويد القاضي بتقرير عن حالته بعد مرور عام لدى بقائه لدى جده، وأيدت محكمة التمييز هذا الحكم. ومن جهته، أكد أستاذ التوجيه والإرشاد بجامعة أم القرى الدكتور عبدالمنان ملابار أن الطفل نتيجة حرمانه من التعليم وتعرضه للتعذيب ودخول مراكز الشرطة وأروقة المحاكم يحتاج إلى تأهيل نفسي لإزالة حالة الخوف التي يعيشها والتي ستكون لها آثار سلبية على حياته المستقبلية.