تتنوع مؤشرات التنمية الدولية المعنية؛ بقياس واقع التنمية ومتابعة برامجها التنموية ومردودها البشري، وانعكاساتها على الشعوب المكونة لمجتمعات العالم، ويعد قياس مستوى السعادة للشعوب من المقاييس الدولية التي تستهدف تحقيق التنمية المستدامة للإنسان، خلال تمكينه من جني ثمار مشاريع التنمية المختلفة، وعبر برامجها الموجهة من الدول لتنمية الإنسان، والذي يترجمه مستوى الرفاه الذي يعيشه، ودرجة الرخاء المتاحة له، وحجم ونوع المستحقات التي يحصل عليها، ومدى ما يجده من دعم وطني واجتماعي على كافة المستويات المؤسسية والتنظيمية، ومن مختلف القطاعات المعنية بتقديم الخدمات المختلفة له كمواطن له حقوق كما إن عليه واجبات تجاه الوطن. وتبعاً لذلك فقد تمحورت المؤشرات الرئيسة لقياس مستوى السعادة لدى الشعوب حول تلك المفاهيم التنموية التي تنعكس على رفاه الإنسان وسعادته ورخائه، والمرتبطة بالتالي: نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لبلده؛ متوسط العمر المتوقع للمواطنين؛ مدى الحرية المتاحة للشعوب؛ مستوى سخاء الدولة على مواطنيها؛ حجم ومستوى الدعم الاجتماعي الذي يتلقاه المواطن من الجهات المعنية؛ مدى مقاومة الدولة للفساد وحجم وجوده في مختلف مؤسسات الدولة والأعمال المختلفة. وبالطبع فإن جميع تلك المؤشرات لها تأثير مباشر على نوع ودرجة استقرار حياة الإنسان اليومية والمستقبلية، سواء أكانت في متطلباتها المادية أو الصحية أو الاجتماعية والفكرية، فمستوى دخله يرتبط بمدى قدرته على توفير مستلزمات الحياة التي يتطلع إليها وحاجاته المأمولة له ولأسرته، والتي لا يمكنه تحقيقها إلا بتوفر مستوى مناسب من الدخل يفيض عن متطلباته الضرورية، ومتوسط العمر المتوقع يعكس مستوى الرعاية الصحية التي يجدها الإنسان كمواطن، والتي تنعكس بلا شك على تمتعه بصحة جيدة نتيجة توفر سبل الرعاية الأساسية التي تتيح له العيش طويلاً وبصحة جيدة، كما إن مستوى الحرية المتاحة يمكّن المواطنين من التعبير عن رؤاهم وتطلعاتهم وما يأملونه من الجهات المعنية في الدولة من الخدمات والمستحقات، لكونها المكلفة بتوفيرها للمواطن بناء على مستهدفات الدولة التنموية ورؤاها الإستراتيجية، وبالطبع فإن مستوى الإنفاق الوطني على متطلبات المواطن الأساسية والمطلوبة لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة؛ يعكس مدى سخاء الدولة وحرصها على رفاه المواطن ورخائه، ويتمثل ذلك في جوانب الدعم الاجتماعي الذي تقدمه لمواطنيها من الذين يحتاجونه لأسباب مختلفة، وآخراً فإن مستوى تحقيق جميع تلك المؤشرات ودرجة مصداقية تنفيذها ومستوى جودتها، ترتبط بمدى تفشي الفساد في قطاعات الدولة ومؤسساتها، والذي يقضي وجوده على جميع جهودها التنموية وطموحاتها الوطنية، كما إنه يبدد ثمار التنمية المأمولة للمواطنين والوطن، ويساهم في عرقلة مسيرتها، لتتحول البرامج والمشاريع إلى مصالح شخصية واستثمارات خاصة تستحوذ على مقدرات الوطن والمواطنين. وبفضل من الله ومِنة، وفي ظل رعاية حكيمة وقيادة تتطلع لمزيد من النماء والرقي للوطن والمواطنين، فقد بذلت المملكة كثيرا من الجهود والنفقات؛ لتحقيق معظم متطلبات التنمية المستدامة المستهدفة، وما يتعلق بمؤشرات السعادة المأمولة؛ للارتقاء بالإنسان وتنميته في جميع المجالات، وقد تبلور ذلك في التقدم الملحوظ لمرتبة السعودية في سلم مقياس التنمية البشرية الدولية ومؤشرات مقياس السعادة للشعوب، فبعد أن كانت المملكة تحتل المرتبة ال37 عام 2017، تقدمت للمرتبة 33 عام 2018، لتصل إلى المرتبة 28 عام 2019، وذلك كثاني دولة عربية في المقياس الدولي لمؤشر السعادة، بعد أن تصدرت الإمارات بالمرتبة ال21 عام 2019 كأول دولة عربية. ومما لا شك فيه أن ذلك التقدم الملحوظ في مرتبة السعودية لهو خير دليل، يبرهن عن جهود وُجهت ونفقات بُذلت؛ لتحقيق ذلك التميز في التنمية بمساراتها المختلفة، وما يتعلق بها من ممكنات وبرامج وسياسات تسعى نحو مستقبل أفضل. وعلى الرغم من أهمية تلك المؤشرات الدولية لقياس مستوى سعادة الشعوب ومدى رضاهم عن واقع حياتهم في أوطانهم، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه من الجانب الإنساني، هل يعني توفر جميع تلك المؤشرات بمقاييس عالية ومرضية لدى شعوب العالم المتقدم بدايةً، والتي تتصدر قائمة الدول في مؤشرات التنمية البشرية ومؤشرات السعادة العالمية، إن تلك الدول سعيدة فعلياً كبشر وكنفوس إنسانية أكثر من غيرها؟!، وهل إن توفر تلك المعدلات للمؤشرات بنسب عالية ومرضية هو المسؤول فقط عن سعادة الإنسان؟! وهل يمكن فعلياً أن تكون تلك الماديات وبعض المعنويات المتضمنة لمؤشرات السعادة- على الرغم من أهميتها - هي مفتاح السعادة الإنسانية؟!، أم أننا كبشر بسطاء كثيراً ما نشاهد ملامح السعادة والرضا في وجوه ونفوس، تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة ومقومات السعادة المادية المألوفة، بينما يفتقدها آخرون لديهم جميع مقومات الحياة السعيدة، ولكنهم يفتقدون ذلك الشعور بالسعادة والبهجة والرضا! تُعد نعمة الرضا والقبول والقناعة وحسن الظن بالله؛ من نعم الله العظيمة علينا التي تجلب السعادة بمعناها الحقيقي، الرضا والراحة النفسية والطمأنينة لجميع مجريات الحياة وأقدارها، لا يكون إلا بالإيمان بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وفي ذلك دفع نحو التفاؤل والإنجاز والشعور بالسعادة الدائمة، وقد سُئل الشافعي: كيف يكون سوء الظن بالله؟ قال: الوسوسة والخوف الدائم من وقع مصيبة وترقب زوال النعمة، كلها من سوء الظن بالرحمن الرحيم، ويقول: سر السعادة حسن ظنك بالذي خلق الحياة وقسم الأرزاق. أما من هو المحروم من السعادة، فهو ذلك الإنسان الذي يفتقد بعض الصفات الإنسانية والخُلقية التي حباها الله للبعض من خَلقه، وحث عليها ديننا الحنيف، لتكون نهجاً بشرياً في التعامل مع الآخر، وفي معالجة إشكاليات النفس الإنسانية ذاتها، يُحرم من السعادة من ملأ الحقد ذاته وقلبه وسكن الحسد داخله، يحرم منها من راقب الناس فيما حباهم الله من نعم يفتقدها، رغم أنه قد يكون وهبه الله نعماً لا يملكها غيره، وقد حرم نفسه استشعارها وشكر الله عليها، يُحرم منها من يَبخل في عطائه من الخير على من حوله، أياً كان نوع العطاء مادياً أو معنوياً، لأن العطاء مردوده السعادة والطمأنينة الدائمة، وبالتسامح وحب الخير للآخرين والإيثار على النفس والبذل المخلص الذي لا ينتظر مردودا.. نجني السعادة، وبالصدق في التعامل والبعد عن المحرمات والمفاسد الدينية والاجتماعية في التعاملات نحصد السعادة. تتولد السعادة بالرضا والقناعة وذلك مفتاح لأبواب من الخير القادم، السعادة إحساس إنساني وشعور بالغبطة والراحة والطمأنينة، التي لا يمكن أن ترتبط بالماديات فقط، صحيح إن توفر الماديات يساهم في تحقيق السعادة وييسر جلبها، ولكنها عابرة ووقتية وتنتهي مع انتهاء أسبابها، السعادة الحقيقية لا يوفرها مال، وإنما هي شعور يمنحه الله لمن يستحقه من خلقه، السعادة نعمة من نعم الله يهبها الله لمن يتقرب إليه بالطاعات ويرضى بقضائه وقدره خيره وشره، السعادة رضا من رب العالمين لا يشعر بقيمتها إلا من فقدها، السعادة لا تأتينا من خارج ذواتنا، وإنما هي تنبع من دواخلنا كمرآة تعكس صفاء نفوسنا ونقاء سريرتنا، السعادة هي حصاد ما تختزنه النفس البشرية من قيم إيجابية بناءة تسعى إلى الخير دائماً ليسعد بها الجميع، السعادة هي طمأنينة وراحة بال ينعم بها من لا يعرف الضغينة والحقد...نسألك يا ألله أن تجعلنا من سعداء الدارين، وأن تقينا من شرور أنفسنا وأن تسخرنا للخير وأسبابه لننعم ونسعد بما أنعمت علينا من نعم لا تعد ولا تحصى.