يقول زيج زيجلر المتخصص في التنمية البشرية في كتابه «فوق القمة»: «زرت كمتحدث إحدى المدارس، فكان ثلث الطلاب فقط هم من يستمع لي، وحين وصل طاقم الكاميرا من محطة محلية للحصول على بعض اللقطات ووجهت لهم الكاميرا حدثت ظاهرة مثيرة للاهتمام، فقد أصبح 100% من الطلاب فجأة في حالة تأهب.. جلسوا باستقامة وأعادوا ترتيب ملابسهم وأصبحوا متنبهين لي بشكل كبير». استوقفتني هذه الكلمات، وقد صدق، فلو كانت هناك كاميرا توثق ما يتم ممارسته من سلوكيات من قبل البعض في الأماكن العامة، وهي سلوكيات تفتقر إلى الذوق العام وتنم عن انعدام الرقابة الذاتية، وتسيء لصورة ينشدها كل مخلص يتطلع لصورة لائقة إطارها ومحتواها الحفاظ على الكينونة الذاتية للفرد والمجتمع، ولو تخيل كل من يمارس ذلك أن هناك ما يوثق فعلته لرأينا أفعالا مغايرة، قد تكون ممارسة عند البعض، لكنه لن يجرؤ على اقترافها أمام الملأ لمخالفتها لمصطلح الذوق العام، ويصبح الممارس لها في دائرة النقد وعدم القبول من قبل الآخرين، ومن قبل المجتمع بشكل عام. ومن أبرز تلك السلوكيات التي نشاهدها حين حاجة أي منا، وخاصة السيدات، إلى دورة مياه في المولات، أو في محطات السفر على الطرقات والمواقع العامة، فإنه ومع الأسف نقول بأنه قد أصبح من المسلمات لدينا ولدى الجميع بأنها ليست صالحة للاستخدام، وذلك لعلمنا المسبق بسوء استخدامها ممن استخدمها قبلنا، وممن لا يرى أن تركه للمكان أنظف وأحسن هو صورة تجسد مستواه الثقافي والحضاري. أقول ذلك رغم جهلي للدافع الذي جعلهم يقدمون على اقتراف تلك السلوكيات التي تؤذي الآخرين، ولا تمت لعرف المجتمع ولا إلى الدين الحنيف الذي أمرنا بالطهارة والنظافة، بل جعلها شرطا لأهم ركن من أركان الإسلام بأي صلة. وليت الأمر توقف لدى البعض عند دورات المياه وإنما تجاوز إلى بقعة محظورة لا يحق لشخص التجاوز عليها بأي شكل من الأشكال أو الهتك بها لأنها دور للعبادة فقط، ولم تخصص لشيء آخر، وللأسف كذلك أصبحنا نشاهد أمهات في مساجد المولات والمطارات يقمن بتنظيف ورعاية أبنائهن الرُضّع داخل المسجد، وترك المخلفات دون رعاية لحرمة المكان وقيمته، فما هذا إلا سلوك غير ديني وأخلاقي، فكيف لأم بهذا السلوك أن تربي أبناء وتخرجهم للمجتمع، فالطفل يكتسب ويتعلم جميع السلوكيات من أسرته خلال السنوات الخمس الأولى التي تتشكل فيها شخصيته قبل خروجه إلى المجتمع، ومن السلوكيات بل من المسلمات التي نشاهدها من قبل البعض طلب كم هائل من الطعام أكثر من حاجة الأشخاص، ثم ترك المتبقي منه على المائدة أو رميه في سلة المهملات دون الشعور بتأنيب الضمير، وبأن النعمة كالضيف إن لم يجد من يكرمه ويقدره فحتماً سيغادر ولن يعود. ومن المسلمات أيضا رؤيتك لمن يقتحم خصوصيتك في الأماكن العامة ويؤذيك بدخان السجائر دون مراعاة لوجودك وحالتك الصحية وعدم قابليتك لرائحة السجائر، أو من يقتحم حق أسرته فيعرض حياة أطفاله للخطر حين يشرب السجائر بينهم، وما قد ينتج عنه من تقليد لهذا السلوك من قبل أبنائه عند كبرهم، ناهيك عما ينتجه هذا من ضرر صحي عليهم. وهناك من يقتحم فرحة المريض وأمله في شفاء يطلبه عند زيارته فيغدق عليه عبارات تغرس في نفسه المنهكة التشاؤم بدلاً من الدعاء له وتشجيعه وإعطائه الأمل بالشفاء، أسوة بما كان يفعله نبينا عند عيادته المريض، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي نفسية المريض قبل كل شيء. همسة: الكاميرا تلتقط الصورة والسماعة تسجل الصوت، ليتنا نستشعرها عندما نقترف سلوكا مستهجنا لا يرضاه ضميرنا الحي ولا المجتمع ولا يمت للذوق العام بأي صلة ولا إلى ديننا الحنيف، ونتذكر أن الله على كل ما نقترفه رقيب وحسيب، وهذا أكبر موقد ومحرك للرقابة الذاتية، وليتنا ندرك أن جميع المرافق العامة في الأماكن العامة ملك لنا وملك للجميع.