عباس المعيوف رجل اختصر تاريخ واحتنا الأحسائية الطيبة المتسامحة في شرق بلدي العزيز المملكة العربية السعودية، منذ ولادته عام 1355 وحتى آخر أيامه لهذا العام 1439، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في شهر شوال، واقعا تقف الكلمات عاجزة في الوفاء أمام شيخ المؤرخين جواد الرمضان، فرحيله ليس أي رحيل، فقد فقدت الأحساء أحد أبرز أبنائها البارين المخلصين لترابها وتاريخها، والذي قدم كل ما يملك من علم وتاريخ لكل مريده في جلسته الرسمية الأسبوعية صباح كل جمعة، حيث يحضر في الغالب المهتمون في مجال المخطوطات والتاريخ والأنساب، وكان مجلسه مفتوحاً للجميع، الصغير قبل الكبير، لم يكن جسدا، بل متحفا متنقلا ينهلون منه الغذاء الروحي قبل المعرفي، لم يعرف عنه في يوم من الأيام ميله لجماعة دون جماعة، فهو يقول دائما أنا مع الجميع، وكلنا أخوة وأحبة، وقيمة الإنسان بأخلاقه. قدم الفقيد الكثير من الكتب، منها مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين، 12 جزءا. أعلام الأحساء في العلم والأدب لسبعة قرون من سنة 800 هجرية، 3 أجزاء. صحيح الأثر في تاريخ هجر. قلائد الجمال في تراجم مشايخ آل رمضان. المغانم في تراجم آل أبي المكارم. أنساب الأحسائيين. كشكول أدبي، 4 أجزاء. ديوان أحسائيات. كم استفاد من رواد مجلسه في التأليف الباحث محمد الحرز والباحث أحمد البقشي، والباحث سلمان الحجي، والمهندس عبدالله الشايب، والكثير من المهتمين في هذا المجال. علاقتي بشيخ المؤرخين بدأت متأخرة، وكان غرضي من اللقاء معرفة بعض التفاصيل عن تاريخ وأنساب حي النعاثل الشرقي والجنوبي، وكانت صدمتي بل اندهاشي من معرفته الدقيقة عن العم حسين المعيوف، ورحلته العلمية البسيطة في العراق وكيف كان متعلقا بحب القراءة ودماثة الأخلاق وبشاشة الوجه، وكعادته استرسل في الحديث عن ذلك الحي وتفاصيل جدرانه وعمق أنساب أهله وتقواهم وورعهم، وفعلا كانت نواة لكتابة ثلاث مقالات بعنوان النعاثل حكاية خالدة. فلا تعبر رسالة علمية ولا بحث تراثي أو تاريخي ويريد الباحث أو الباحثة أن تكون لجهده الوثاقة والثراء النوعي دون أن تعبر بذاكرة وجهد شيخ المؤرخين. فرحم الله تلك الذاكرة وتلك الجهود التي أثرت أغنت و أثّرت. وما زلت أتذكر قدوم الكثير من الباحثين من الكويت والبحرين والإمارات وقطر ومصر وسورية وتركيا، بل وبعض الأجانب للاستفادة والاستزادة وتوثيق أبحاثهم من خلال هذا العلامة. الموت هو رحيل الجسد وتبقى الروح هي الحياة الحقيقية، فرحيلك عن هذه الدنيا قضية وقت، فروحك عالقة بيننا في سماء الأحساء وأرضها، بنخيلها ومائها، بمخطوطاتها وكتبها، بتراثها ومتاحفها، مهما كتبنا وعلقنا نبقى مقصرين في حق هذا الرجل.