في مقالة سابقة منذ عدة أشهر أشرت فيها إلى ضرورة أن يكون وادي أبها «خُبيب» ظاهراً للعيان وغير مغطى بالشوارع، وخاصة الجزء الذي يمر بمدينة أبها، حتى يستمتع الناس برؤيته عند جريانه، باعتبار أن الوادي هو من أهم معالم أبها، وهو شريانها المعروف منذ القدم، وحتى تنشأ على ضفافه المتنزهات الجميلة. وأشرت إلى أن إزاحة الطرق التي تغطي الوادي هي وسيلة روحانية وتوجه إلى الله تعالى أن يغيثنا بزيادة الأمطار حتى يعود الوادي إلى ريعان شبابه، وأذكر أن الحديث جرى بيني وبين أمين منطقة عسير المهندس صالح القاضي - يرحمه الله - الذي تفاعل كثيراً بالاهتمام بزيادة الرقعة الخضراء في أبها وزيادة الاهتمام بنظافة الوادي وتزيينه، حتى أنه اقترح - يرحمه الله - أن يُزين أسفل جدار الوادي بالرخام، وفعلاً شاهدت شخصياً آثار الاهتمام بنظافة الوادي عندما كنت في زيارة «حصين أبها»، وهو معلم سياحي تراثي حديث في حي «البسطة»، بدعوة من صاحب الحصن الشاب الطموح أنس بشاشه، ومن حسن الحظ عند خروجنا من الحصن أخذتنا الخطى إلى الكوبري العثماني الذي لا يبعد سوى خطوات قليلة من الحصن، وإذا بنا أمام الوادي وشاهدت غديراً ضعيفاً يسير الهوينى في طرف الوادي وكأنه يهمس إلي بأنه سيحط رحاله ويلفظ أنفاسه الأخيرة. كما سمعت أن الناس الذين يسكنون بالقرب من الكوبري يذكرون أنهم كانوا يسمعون نقيق الضفادع وبعض أصوات الحشرات الصغيرة التي تعيش قريباً من المياه، وكذا بعض الطيور التي تهبط قريباً من الوادي وتقتات من تلكم الحشرات، كل تلكم المخلوقات هربت أو مات بعضها وساد السكون الموحش بتوقف الحياة في هذا الجزء من الوادي! فكيف تعود الحياة إلا بعودة المياه للوادي الذي كنت أشاهده وأنا يافع وأرى لمعان مائه وأنا مقبل من أقصى «البحار»، وكذا أستمع لهديره وهو يخب خباً منحدراً من روابي جبال تهلل، وطالما تناولنا مع بعض إخواني من ثمار شجرة المشمش العملاقة التي نتفيأ ظلالها، والتي تجاور الوادي وليست بعيدة عن قرية «آل الفلت» التي كانت تسكنها والدتي يرحمها الله، وطالما شممنا الرياحين والنعناع الذي يتكاثر في ضفاف الوادي، ونضيفه لشراب الشاي فيعطيه نكهة منعشة، وهكذا نرى هذا الوادي العملاق يهب بفضل الله الحياة لأبها والقرى التي يمر بها، حاملاً لها الطمي والخصب والجمال، ويملأ آبارها من مياهه العذبة، وتستأنس به العوائل، ويسبح ويمرح أطفالنا وشبابنا في بحيراته وشطآنه، وكلي أمل كبير أن يزداد الاهتمام به كما ذكرت سابقاً ويشرفني أن أزود كبار المسؤولين بصورة عن كل ما كتبت عن مدينة أبها وواديها، وأعلم أنهم أكثر حرصاً على رقي مدننا السياحية التي أعطاها الله كثيرا من الجمال والطبيعة الخلابة.