واصل عدادو التسعينات الهجرية سرد ذكرياتهم مع أول مهمة تعداد نفذت في المملكة في ظروف تختلف عنها اليوم، مؤكدين أن من أبرز المشكلات التي زادت من حجم معاناتهم الأمية المتفشية في ذلك الوقت وغياب الوثائق الرسمية. وقال عدد من المشاركين في تعداد السكان في ذلك العام إن المهمة لم تكن بذات السهولة لتفشي الأمية وغياب وسائل التقنية الحديثة، والأهم من ذلك عدم قناعة السكان بأهمية التعداد، بل إن هناك من كانت تساورهم المخاوف من هذه الإجراءات الجديدة التي لم يعهدوها من قبل، وأكد العدادون أن كثيرا من المعلومات كانوا يبحثون عنها حصلوا عليها عن طريق السماع فقط، دون وثائق رسمية تثبت صحة تلك المعلومات التي يدلي بها السكان، خاصة المعلومات المتعلقة بالعمر والجنسية. تفوق الإناث قال المعلم محمد مبارك السواط الذي يبلغ من العمر 72 عاما وكان وقتها معلما في مكةالمكرمة، إنه عمل في تعداد 94 في مكةالمكرمة من منطقة جبل بن داود إلى الفاوو بعد أن حصل على دورة تدريبية عن التعداد وعمل مع أكثر من 15 عدادا، مضيفا: من اللافت في تلك المنطقة كثرة تعداد الإناث مقارنة بالرجال، كما تكثر الجنسيات غير السعودية في المنطقة، ومن أبرز القصص أنني زرت أسرة مكونة من زوج وزوجته في جبل بن داود يمنيي الجنسية وكان الزوج يحمل جواز سفر كورقة ثبوتية، حيث كان يبلغ من العمر 120 عاما، وكان يتمتع بكامل صحته وعافيته، وعندما سألته عن ذلك أفاد بتناوله «الدخن والبر» وعدم تناوله القهوة والشاي، وعن كيفية الانتهاء من السجلات قال السواط إننا نقوم باختيار 3 استمارات بشكل عشوائي لكل مراقب بعدها نعيد زيارة هذه الأسر للتأكد من المعلومات، مضيفا أنه بعد ليلة الإسناد نقوم بتجميع كافة السجلات في صناديق مرقمة ثم نقوم بتسليمها لموظفي الإحصاء في حي العزيزية. الجمل والربابة قال المعلم المتقاعد محمد صالح الدهماني إنه تم تكليفه للعمل في منطقة «الفوارة» ب«الجموم»، وهي عبارة عن منطقة صحراوية، صعبة التضاريس، وأجواؤها تتصف بالحرارة الشديدة، وأرضها بركانية، وتوجه لتلك المنطقة 6 باحثين، وأضاف «عند وصولنا للمنطقة، توجهت لواد يقال له وادي «مر»، ولا يمكن الوصول إليه إلا سيرا على الأقدام وكان معي «خوي» من الإمارة اسمه «باشا العتيبي»، واستخدمنا جملا لنقل المتاع والمؤن، و «الربابة» التي جلبها «الخوي» ليعزف عليها إذا توقفنا. وأضاف «سكان الوادي في تلك الفترة بدو رحل يعيشون تحت نخيلهم، وعدد الأسر لا تتجاوز 45 أسرة، كما أن التعليم والصحة لم تصل إليه في ذلك الوقت، وكان للخوي دور كبير في تجاوبهم معنا، لمعرفته التامة بهم، وكنا نقوم بترقيم عمود الخيمة أو النخلة التي يقيمون بجوارها، وبلغت المسافة التي قطعناها حتى وصلنا لهم أكثر من 30 كلم. ومضى يقول «عند قرب الانتهاء من الجولة على سكان الوادي، تبقى لنا بضعة بيوت قيل لنا إنهم يسكنون في قمة أحد الجبال التي نراها بالعين المجردة، فتوجهنا لهم في الثالثة صباحا، ولم نستطع بلوغ القمة إلا في الخامسة مساء، بعد أن نفد منا الماء الموجود في «القربة»، لأننا قمنا بشربه بسبب الحرارة العالية في المنطقة، وبعد التعب والعطش الشديدين سقط صاحب الجمل فاقدا للوعي، فقمنا بوضعه على الجمل حتى نصل، ولكن الجمل سقط هو الآخر من شدة العطش، ففكرنا أن ننحر الجمل كي نحصل على الماء وكان ذلك في وقت متأخر من الليل، ووصلنا ووجدنا السكان رحلوا قبل فترة من المنطقة، وعندها شاهد الخوي نورا يمشي من بعيد، فطلب منا الجلوس حتى يستكشف الأمر، وذهب وعاد لنا بعد أكثر من ساعتين، ليبشرنا بقرب وصولنا من أحد البيوت التي ما إن وصلنا إليها حتى سقطنا جميعا، ليسعفنا أهلها في الحال، ويكتب لنا عمر جديد بعد أن كنا سنموت من العطش، وبعد أن أنهينا المهمة توجهنا لإمارة الفوارة، وشاركنا الناس في تلك المنطقة الفرح الذي أقيم بمناسبة زواج أحدهم، ثم توجهنا بعد ذلك مباشرة لمكةالمكرمة لتسليم ما لدينا من أعمال للمفتشين المتواجدين في مبنى الجامعة بالعزيزية». عقبة اللغة عاد المعلم المتقاعد عمر بن صالح العوفي الطالب الجامعي حينها، بالذاكرة إلى تفاصيل مشاركته في تعداد عام 1394، متذكرا العقبات التي واجهته حينما كلف بمهمة عد سكان أكثر الأحياء تباين في مدينة جدة، وأشار العوفي إلى أن المشكلة التي واجهته وزملاءه هي مشكلة التواصل اللغوي مع سكان الحي الذي لا يتحدثون العربية، ويمثل الأفارقة نحو 70% منهم، مبينا أنه تم حلها عن طريق توفير مترجمين من نفس الجنسية من قبل هيئة الإحصاء لتسهيل المهمة، وأضاف العوفي أن التوثيق الكتابي وعدم وجود وسائل التقنية الحديثة أثرا في الوقت والجهد المبذول من أجل إنجازه في وقت محدد. وقال العوفي: تشرفت بالعمل في التعداد السكاني الأول وعملت بمدينة جدة، وتحديدا في حي «الكرنتينة» أو ما يسمى حاليا بحي بترومين، وكنا نستأجر دبابا بثلاث عجلات كوسيلة نقل داخل الحي، حيث كانت شوارعه غير منظمة وتشبه الأزقة، وكان نحو 70% من مساكن الحي هي من الصفيح والباقي منها عبارة عن منازل شعبية، مضيفا أن منازل الصفيح أخذت في التزايد يوما بعد يوم طوال فترة التعداد. حرارة الصيف أوضح العوفي أن تنفيذ مهمة التعداد تزامنت مع موسم الصيف، وكانت درجات الحرارة مرتفعة، وهذا أمر مرهق للغاية، مضيفا أن من ضمن المعوقات التي واجهتهم أن السكان لا يتواجدون في منازلهم إلا في الخامسة مساء وحتى ما قبل الثامنة صباحا، بسبب انشغالهم بتوفير المعيشة لهم ولمن يعولون، وقال إنه مع كل هذه المعوقات إلا أننا كنا جميعا في ذلك الفريق من مشرفين ومراقبين وباحثين مهتمين بنجاحها، بسبب الاهتمام الذي أولته الدولة في ذلك الوقت لمرحلة التعداد وللعاملين فيه، وأيضا لما للإحصاء من أهمية في تنمية الشعوب. صعوبة المعلومة عن مشاركته في تعداد 1394، قال المعلم يوسف بن حاسن العرابي إنه عمل عدادا في محافظة الطائف، وكان نطاق عمله في حي الشهداء الشمالية، وكان أغلب سكان الحي من الجنسيتين الأفغانية والباكستانية، مشيرا إلى أنه علم بالتعداد من أحد زملائه في المدرسة الذي قرأ إعلانا في إحدى الصحف عن طلب عدادين وباحثين، وبين أنهم حضروا ورشة عمل تشرح آلية وعمل التعداد، وحصلوا على بيانات أولية من المراقب عن عدد الوحدات والسكان، وعند بدء العمل وجد تجاوب من سكان الحي والمنطقة التي كان يعمل بها، وكان أهم البيانات التي يطلبها عدد أفراد الأسرة والأسماء والحالة الاجتماعية والوظيفية، وأضاف العرابي أن من الصعوبات التي واجهتهم هي أسر الأرامل والأيتام الذين لا يوجد لديهم رجل في البيت، فكان أخذ المعلومة صعب أو يتأخر لحين وصول أحد الأقرباء من الرجال.