حين يدقق المرء في شوارع مدينة جدة التي أطلق عليها يوما ما لقب (عاصمة الفن السعودي) يجدها تزداد وحشة وشحوبا بأجدرة صماء وميادين تقلصت فيها الأعمال الفنية التي ميزتها حقبة من الزمن، لتكون عبارة عن معرض مفتوح، متناسق ومرتب. مراقبون قالوا ل«الوطن» إن فائض مساحات الجمال التي ميزت جدة منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، يتقلص الآن، حيث كانت قوالب صورة الفن تزدهي فيها، ولا يتردد المتأمل في استحضار شيوع (فن الشوارع) في صورته البشعة، بعد 40 سنة من تلك الأسئلة التي أطلقها مهندس جدة الحديثة أمينها الأسبق، المهندس محمد سعيد فارسي الذي كان يرن في ذهنه سؤال أهم -بحسب الدكتور عبدالله مناع- (كيف نقدم فنا جميلا في الشوارع والميادين وعلى الشواطئ وفي الحدائق، كيف نجعل الفن للجميع)؟. 400 عمل جمالي يقول الدكتور المناع: (لم تكن الإجابات جاهزة على كل تلك الأسئلة، كما أنها لم تكن مستحيلة، ولكن الوصول إليها احتاج إلى عشرات اللقاءات والحوارات مع كبار الفنانين في العالم، كما احتاج إلى عشرات الرحلات لعواصم الفن في قارات العالم، ومع مرور الأيام كان الوصول إلى تأسيس فن في شوارع وميادين وحدائق وكورنيش جدة، التي ازدانت بأجمل أعمال الفنانين العالميين والعرب والسعوديين، بعد عشرة أعوام تقريبا من البدايات كانت مدينة جدة قد زينت ميادينها وشوارعها وحدائقها وكورنيشها بأكثر من 400 عمل جمالي فني، تم توزيعها بدقة وجمال وإبهار في كل أنحاء المدينة. وفي السنوات الأخيرة مع تضخم المدينة واحتياجها لمشاريع توسعة. للأسف اختفى كثير من ذلك الجمال وليس عندي أرقام حقيقية عما تبقى من تلك الأعمال، إلا أن أهالي جدة افتقدوا تلك الأعمال، ولعل من أبرزها مجسمات الأهلة التي كانت تزين طريق الخط السريع بين مكةالمكرمةوجدة، ورغم ظهور عدة مؤسسات أهلية معنية بالفن والجمال إلا أن اشتغالها دائما كان يقتصر على الصالات والبيوت، دون التفاتة لجماليات الشارع والميادين، مما افسح المجال كثيرا أمام تشوهات وأعمال عشوائية، لا يمكن أن تنتمي ل«فن الشارع الحقيقي» على نحو ما هو متعارف عليه في معظم مدن العالم التي تحتفي بالفن، وتجد فيها فن شارع حقيقيا تتوافر فيه قيم جمالية وأحيانا فلسفية وما إلى ذلك. مؤسسات انصرفت عن الميادين في يونيو الماضي زار رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، (بيت جميل للفنون التراثية)، واطلع على المعرض الذي نظمته الفن جميل بالشراكة مع مدرسة الأمير للفنون التقليدية والجمعية السعودية للثقافة والفنون من 6 - 15 يونيو. وتجول الأمير سلطان برفقة المهندس محمد عبداللطيف جميل، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجتمع جميل، مستمعا إلى شرح من المشاركين الذين شاركوا في البرنامج على مدى 9 أشهر، وقدموا العديد من القطع الفنية، استنادا إلى وحدات وحرف يدوية مختلفة استكشفوها على مدار العام ليتمكنوا من خلق عمل هام في الفنون التراثية. وأكد الأمير سلطان خلال جولته في دور الهيئة دعم مثل هذه البرامج التي تشجع على المحافظة على التراث في مدينة جدة القديمة، وإثراء الحركة الإبداعية في المملكة العربية السعودية، وما إن غادر حتى تساءل فنانون حاضرون عن مدى إمكانية مساهمة مؤسسة مثل (الفن جميل) في استعادة المدينة نفَسَها الجمالي القديم الذي تشير دراسات إلى أن انطلاقته كانت منذ عام 1967، لا فتين إلى أن بيت جميل للفنون التراثية/ جدة بدأ نشاطه في عام 2015، وبدأ أول برنامج مدته سنة واحدة في سبتمبر 2016. وبفضل الشراكة بين الفن جميل، ومدرسة الأمير للفنون التقليدية، والجمعية السعودية للثقافة والفنون، يقدم بيت جميل للفنون التراثية/ جدة برنامجا ثريا يركز على الهندسة الإسلامية، الأنماط الهندسية والتصميم، الزخرفة النباتية، تناسق الألوان وتقنيات الديكور، النجارة وأعمال الخشب، النحت على الجبس والحرف التقليدية الأخرى ضمن التراث المعماري الغني للمدينة القديمة، لكن دون أن يكون لذلك انعكاس على جماليات شوارع وميادين المدينة.
البحث في الفنون التقليدية
يذكر أن الفن جميل مؤسسة غير ربحية تدعم الفن والفنانين والمجتمعات الإبداعية، وهي إحدى مبادرات (مجتمع جميل)، وتشمل حاليا إدارة مدارس الفنون التراثية وبرامج الترميم، بالإضافة إلى برامج فنية وتعليمية متنوعة للأعمار كافة، حيث تطمح برامج المؤسسة إلى أن تعزز دور الفن في بناء وترابط المجتمعات، انطلاقا من أن الوقت الذي تشهد فيه المجتمعات تغيرات وتحولات هائلة، يصبح هذا الدور أكثر أهمية من أي وقت مضى. وتعمل المؤسسة بطريقة تعاونية، بشراكة مع العديد من المؤسسات الفنية مثل متحف فكتوريا وألبرت ومدرسة الأمير تشارلز للفنون التقليدية. أما مدرسة الأمير للفنون التقليدية (PSTA) فهي جزء من مجموعة الأعمال الخيرية تقدم الدرجات العلمية العملية في الدراسات العليا على مستوى الماجستير والدكتوراه، وذلك في مجال الفنون التقليدية للحضارات الكبرى في العالم. ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية للمدرسة في تشجيع الوعي بالطبيعة الشاملة للفنان التقليدي الذي يستمد إلهامه من أسمى المصادر، وتتضافر مهاراته وتفانيه في العمل لخلق روائع يمكن أن نعترف بها جميعا كجزء من تراثنا العالمي. وتوسع برنامج المدرسة للدراسات العليا القائم على الممارسة والبحث في الفنون التقليدية، ليشمل «البرنامج المفتوح» الذي ينشر رسالتنا التعليمية إلى مجتمع أوسع، وبرنامج الانسجام في المدارس «Harmony Schools Programme» الذي يقدم رؤية متكاملة عن العالم للشباب، وبرنامج التوعية «OutreachProgramme» الذي يقوم بدور نشط في أكثر من 20 دولة في القارات الخمس.www.psta.org.uk.
أعمال فنية استوحتها جدة من التراث المآذن المشكاة الكرة الأرضية تتوسطها مكة صندوق السيسم الأهلة المحبرة المزولة السموار أشرعة القوارب والسنابيك