لم يكتف فنانو عسير التشكيليون بمراسمهم المتواضعة ولوحاتهم الصغيرة للتعبير عن مكنوناتهم الفنية، بل وجدوا الجداريات المنتشرة على الطرقات والميادين العامة مكاناً رحباً لنشر ثقافات مجتمع، والتعبير عن أصالة الماضي العريق الذي تتميز به المنطقة على مر العصور . ويلاحظ الزائر إلى مدينة أبها وهو يتجول في طرقاتها الرحبة ألوان الطيف المنتشرة يميناً ويساراً ، التي تعبر عن بصمات الفنانين وابداعاتهم في توفير بيئة جمالية خارجية يمكن أن تعبر عن روح المكان . وأبان الفنان التشكيلي عبد الله الشلتي أن عدد من فناني المنطقة المحترفين شاركوا في رسم جداريات أبها وأبرزهم الفنان سعود القحطاني، وعلي مرزوق، وعبد الله البارقي، وعبد العزيز العواجي. إضافة إلى المشاركين في رسم جداريات قرية المفتاحة التشكيلية ومنهم عبد الله شاهر، وعبده عريشي، ومحمد شراحيلي، وإبراهيم الألمعي، إلى جانب كوكبة من الفنانين والفنانات الذين ملئوا المكان فناً وجمال، مضيفاً أن هؤلاء الفنانين اختاروا الخروج بمراسمهم ليشاهدها العامة، وينشروا الفن في كل مكان على الجداريات في الشوارع بحس فني عالي ومدارس فنية متعددة ، منها الانطباعية والتأثيرية والرمزية والسيريالية والتجريدية التي تعبر عن إحساس الفنان . وأكد الشلتي أن المطلب هو استغلال المساحات على الطرقات وفي الانفاق وتحويل جدرانها من قطعة صامتة إلى إيحاءات وأعمال فنية حملت على عاتقها التسويق للمكان والتعبير عن طبيعته وتراث المنطقة وحضارتها العريقة ، المتمثلة في القلاع والحصون وجمال الطبيعة ، بالإضافة الى الفن المتعارف عليه في المنطقة وهو " القط العسيري" و"القصبة "، مبيناً أن مساحات اللوحات تتجاوز في بعض الأماكن 500 متر مربع . وقال: هي مسطحات لونية لا تقل جمالا عن أي معلم جمالي في العالم ، بل أنها تتفوق على هذه المعالم بخصوصيتها ، ومنطقة عسير معروفة بجمال طبيعتها وتكوينها الفني ، وهذا ما يجعل أبنائها قادرين على نقل هذا الجمال من الواقع إلى الطبيعة لما حباها الله به من طبيعة خلابة تنافس أهم المدن السياحية في العالم ، وتحاول أن تعبر عن المدن التراثية القديمة وتعيدها إلى بصر الأجيال لتكون على مرمى البصر في الشوارع والميادين . ويقول الفنان عوض آل زارب : إن عسير تكتنز بالمبدعين من أبنائها الذين حوّلوا الشوارع إلى جداريات ولوحات فنية لتخرج الأفكار الفنية من ضيق المراسم إلى رحابة الشوارع ، والجداريات وهي عبارة عن تراثيات ولوحات تعبر عن الطبيعة تم خلالها مزج العديد من المدارس التشكيلية والرمزية والواقعية لإيجاد هذا الشكل الجمالي الذي خطته أيدي الفنانين. مضيفاً أن عدد الجداريات في مدينة أبها يتجاوز 20 جدارية في مواقع مختلفة من المدينة، لتعبر عن حضارة وتراث هذه المدينة التاريخية ، لافتا إلى أن مدن العالم تعتمد هذه الطريقة في الحديث عن تراثها وعراقته بالفن الذي يعكس ثقافة المجتمع وتعبر عن ثقافة السكان الفنية وروح الفن الأصيل الذي يتجسد في هذه اللوحات. وأشار إلى أن ملتقى التراث العمراني الذي نظمه فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة عسير قدّم 3 مواقع للفنانين، رسموا خلالها جدارياتهم وتقع على طريق المطار، وبجوار سوق الثلاثاء الشعبي. وبالقرب من جامع الملك فيصل، كما أن هناك العديد من المساحات التي يمكن استغلالها من قبل أمانة عسير وفرع الهيئة العامة للسياحة والمبدعين من الفنانين الذين يجب أن يكونوا شركاء في هذه الأعمال الفنية وفي التخطيط العمراني للمدن في منطقة عسير لما سيكون له من أثر كبير في صناعة السياحة وتأهيل مدينة أبها لتكون رمزاً يشار له في عام 2017 م عند تتويجها بعاصمة السياحة العربية . من جهته كشف مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في منطقة عسير المهندس محمد العمرة عن شراكة بين الفرع وجمعية الثقافة والفنون ومركز الملك فهد الثقافي بأبها والجمعيات والمؤسسات الثقافية والفنية في المنطقة، لافتاً إلى أن الهيئة تؤمن بقيمة الفن التشكيلي والدور الهام للجداريات في إظهار تاريخ المنطقة وطبيعتها. حيث تعمل السياحة مع الأمانة لتوفير مختلف السبل لتسليم المواقع البارزة للفنانين المحترفين من أبناء المنطقة لينقلوا إبداعاتهم إلى الميادين والمواقع السياحية، مؤكداً سعي الهيئة من خلال لجانها وقنواتها المختلفة للحفاظ على تراث المنطقة وتطويره وتحويله إلى منتج يخدم السياحة في المنطقة ويضفي عليها روح جمالية.