قرع جرس الحصة السادسة معلنا انتهاءها، والإذن بنزول التلاميذ إلى مصلى المدرسة؛ لأداء صلاة الظهر جماعة. يدخل المعلم ماجد أحد الفصول؛ ليضع حقيبته على المكتب حتى يعود إليها بعد أداء الصلاة؛ ليكمل باقي حصص جدوله الطويل المنهك والذي كان قد بدأه عند السابعة صباحًا، وعند دخوله الفصل تقع المفاجأة.. التلميذ حسين أحد تلاميذ الصف الخامس يختبئ تحت المكتب وهو تلميذ تعلوه سمات الهدوء والأدب! كانت صدمة لمعلمه.. حسين يختبئ تحت المكتب؛ لأنه لا يريد أداء الصلاة مع جماعة تلاميذ المدرسة، متعللا بأن رائحة سجاد المصلى تسبب له الضيق والانزعاج؛ وذلك لعدم اهتمام المدرسة بتنظيفها. أدرك المعلم أن حسينا يعيش صراعا نفسيا كبيرا، فهو يختبئ حتى لا يؤدي الصلاة، ويظل مختبئا حتى تنتهي الصلاة، ثم يعود التلاميذ إلى الفصل؛ ليقابلهم، وكأنه قد أدى الصلاة، وهكذا في كل مرة، هذا ما عرفه المعلم من خلال حديثه معه! أدرك المعلم أنه أمام حالة صعبة، ونموذج لكثير من صغارنا الذين يصلون تلبية لرغباتنا، ولا يصلون نتيجة فهم، وقناعة إلا فيمن ندر، وهذا يدل على أن لدينا قصورا في مناهج تعليم كثير من أمور الدين. بقي المعلم في حيرة لثوان، وهو يعرف أن عليه أن يعامل هذا التلميذ معاملة رفيقة، وألا يعمد إلى إفشاء أمره للتلاميذ، أو لإدارة المدرسة؛ لأن هذا قد يزيد الوضع سوءا ويخلد هذا الموقف في ذاكرته سنوات طويلة، فما كان من المعلم إلا أن طلب إليه في هدوء الخروج من مخبئه، ولوقت محدود ذكَّره المعلم ببعض إيجابيات أداء الصلاة، وأن عليه ألا يختلق الأعذار لكي لا يصلي، ثم اصطحبه إلى المصلى، وجعله يؤدي الصلاة إلى جانبه، وبعد انقضاء الصلاة عادا معا إلى حجرة الدراسة من أجل الإتيان بحصة سابعة أثقلت كواهل التلاميذ الصغار وهم الذين لا يجنون منها كبير فائدة، خاصة وأنها لن تنتهي إلا عند الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهرا! عادا إلى الفصل، وبدأت الحصة التي مرت على التلميذ حسين مرورًا سريعًا، كمرور التلاميذ السريع في ممرات المدرسة في مرح ونشاط، لكن وقت الحصة مضى ثقيلًا على معلمه الذي ظل حائرًا بسبب ذلك التصرف الغريب من التلميذ حسين! بقي المعلم في حيرة أمام ذلك التصرف... فلماذا اختبأ حسين؟ وهل كان تصرفه مع التلميذ تصرفا سليما؟ أسئلة كثيرة وكبيرة... فهل من إجابات مقنعة ومرشدة؟