وصف الباحث والناقد حسين بافقيه مجتمع المدينةالمنورة بأنه كان أكثر تنظيما ونضجا وعمقا من مجتمع مكةالمكرمة في الشأن الثقافي، استنادا إلى نشوء عمل ثقافي مؤسسي في بدايات القرن العشرين، بخلاف ما كانت عليه الحال في مكة التي كانت تشيع فيه ثقافة "المراكيز"، لافتا إلى أن كلا النشاطين كانا يصبان في سياق العمل الأهلي "المدني" للحراك الثقافي الذي شهدته المنطقة، وكان نواة لإطلاق المؤسسات الثقافية. سلطة المؤسسة أشار بافقيه في محاضرته "المؤسسة الثقافية.. من المركاز إلى النادي" بأدبي الطائف مساء أول من أمس، التي أدراها فهد العيلي، إلى أن علاقة المثقف بالمؤسسة علاقة محيرة، فالمثقف يرفض القيود ويسعى إلى إنشاء المؤسسات الثقافية، والدول ترعى الأدب والفنون، وهذا واجب على الدول، ومع ذلك ينبغي ألا تتحول الرعاية من قبل المؤسسة الرسمية إلى وصاية، لأن المثقفين والفنانين أدرى بشؤونهم، ومهما دعمت الدولة الثقافة تبقى الثقافة رأسمالا وقوة ناعمة، وسينتهي البترول والتقلبات الاقتصادية لا أحد يعرف وتبقى الدول في مثقفيها ورموزها وعلمائها. وقال: يعد الانضباط رغبة رسمية للسيطرة على العمل الثقافي وتوجيهه، والانضباط من ناحيتين لأن المؤسسة تحمل في داخلها شعرت أم لم نشعر، فكرة سلطوية لرسم الحدود والمساحات التي يمكن أن يتحرك فيها أي عمل، ولهذا نجد كثيرا من مثقفينا أن أكثر ما يشغلهم أن تتحول الثقافة إلى مؤسسة، لأن المؤسسة تحمل في داخلها معنى السلطة حينما أقول سلطة فلا نعني بها السلطة السياسية، وإنما سلطة النادي أو الجمعية أو المؤسسة. بحوث نادرة انتقد بافقيه خلال محاضرته "ندرة البحوث والدراسات التي توثق لذلك الحراك الأهلي، وتاريخ المؤسسات الثقافية. وأصل بافقيه لتاريخ القهوة، والجدل الذي أثره ظهورها في مكةالمكرمة خلال القرن العاشر الهجري، ثم شيوعها في المجتمع المكي، وعلاقتها بالفعل الثقافي والمسامرات، وظهور المركاز، لافتا إلى أن المفردة تحتاج إلى تأصيل لغوي، نظرا لعدم وجودها في المعاجم، مرجحا أنها مفردة حجازية شاعت في بقية مناطق المملكة، وأنها رغم عاميتها إلا أنها رعَت كفعل الثقافة الفصيحة في المملكة، من خلال جمعها من المثقفين والأدباء، في الحجاز قبل تأسيس المؤسسات الثقافية. واستشهد بافقيه على اختلاف الأمر في المدينةالمنورة بوجود مجالس الأدب بالمدينة التي كانت عامرة بالأدباء الأبارية، منزل الشيخ عبدالجليل برادة الذي كان مكانا للأدباء والشعراء يجتمعون فيه يوميا، ويتقارضون الشعر والأدب، كما نشأت في عام 1355" جماعة أدبية على أيدي عبدالقدوس الأنصاري وأحمد الخياري وأحمد رضا حوحو ومحمد نقشبندي سموها (نادي الحفل الأدبي للشباب العربي السعودي المتعلم)، يرتادها شباب المدينة والمملكة الذين يزورون المدينة، والأدباء والعلماء أثناء مواسم الزيارة والحج، ويعقد النادي جلساته كل ليلة جمعة من كل أسبوع.