فيما تتجه الأنظار غدا إلى زيارة ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف إلى تركيا، يرى مراقبون أن الزيارة تكتسب عمقا استراتيجيا إقليميا ودوليا، نظرا للأحداث الخاصة التي تمر بها المنطقة، إضافة إلى ما شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين من أهمية كبرى، أهمها جانب الانتقال من مرحلة التعاون إلى التنسيق الاستراتيجي. وتأتي الزيارة في وقت تمر المنطقة بصراعات إقليمية، في حين يواجه كلا البلدين أحداثا شبه متقاربة، أبرزها مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش والقاعدة، حيث تواجه تركيا خطر تدفق العناصر المتطرفة الآتية من سورية والعراق المتأزمتين بجوارها، في حين تواجه المملكة على حدودها الجنوبية مع اليمن، الانتهاكات الصارخة من قبل ميليشيات الحوثي المتمردة، وحليفها المخلوع علي عبدالله صالح، والتي ما برحت تقصف مدن الحد الجنوبي بالصواريخ الإيرانية المهربة لها عبر الشحنات السرية. أهمية التوقيت أوضح النائب في حزب العدالة والتنمية خالص دلجيتش في تصريح إلى "الوطن"، أن الزيارة تمثل "تدشين" عهد جديد للعلاقات المتينة والتاريخية التي تجمع البلدين الشقيقين، اللذين يمثلان عمقا إسلاميا إقليميا ودوليا. وأكد دلجيتش أن الزيارة تهدف إلى توثيق التعاون الثنائي بين البلدين، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، والتسريع من وتيرة التعاون والتنسيق المباشر بين البلدين في الملفات الإقليمية المختلفة، بما يتناسب مع حجم التحديات الكبرى، مضيفا "أن البلدين قد بذلا جهودا كبيرة مشتركة في سبيل دعم الشعب السوري في أزمته، إضافة إلى الدعم الكامل والمتواصل للقضية الفلسطينية، والوصول إلى تسوية عادلة للنزاع العربي الإسرائيلي". وكان رئيس البرلمان التركي إسماعيل قهرمان، أشاد في وقت سابق، بالعلاقات التي تربط بلاده بالمملكة، مشيرا إلى أن البلدين يمثلان حجر الزاوية في العالم الإسلامي، معربا عن شكره للمملكة لوقوفها مع تركيا، مشيدا بالقوة والاستقرار اللذين يتمتع بهما البلدين في منطقة تعج بالمشاكل والصراعات -حسب وصفه- مضيفا أن تكاتفهما يصب في مصلحة الأمة الإسلامية جمعاء. وأثنى قهرمان على جهود المملكة الحثيثة في العناية بالحرمين الشريفين، والإنفاق المالي الكبير الذي توليه في موسم الحج، بهدف راحة ضيوف الرحمن وتوفير كل الإمكانات والسبل في ذلك. علاقات تاريخية تأتي زيارة ولي العهد إلى تركيا استكمالا للعلاقة التاريخية المتأصلة التي تربط المملكة بتركيا عبر عقود طويلة بمراحل متطورة، تكثفت منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مقاليد الحكم، وزيارته إسطنبول هذا العام، في إطار انعقاد القمة الإسلامية، والتي أفرزت تأسيس مجلس التنسيق السعودي التركي المعني بالشراكة المستمرة بين البلدين في مجالات الاقتصاد، والدفاع، والاستثمار ، والملاحة البحرية، والصناعة، والطاقة، والثقافة، والتربية، والصناعات العسكرية، والإعلام، والشؤون القنصلية. أبرز الملفات تشير مصادر إلى أن الملف السوري سيحتل الحيز الأكبر من مباحثات الجانبين التركي والسعودي، إذ تتطابق رؤيتي البلدين في التأكيد على الحل السياسي في سورية، وحتمية رحيل نظام بشار الأسد، والمحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري، إضافة إلى تحفظ يبديانه تجاه التدخل الروسي المباشر في الأزمة، مع الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في صفوف الأسد، الأمر الذي يعقد الأزمة ويطيل أمدها ويعوق تقدم السلام والأمن في المنطقة. وتأتي القضية اليمنية على قائمة الملفات التي سيناقشها قادة البلدين أيضا، حيث تؤكد أنقرة على شرعية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحق المملكة في حماية مصالحها الاستراتيجية وكامل حدودها من عبث الانتهاكات المتكررة. استراتيجيات مشتركة في مؤشر لتصاعد وتيرة التعاون المشترك بين البلدين، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد زار المملكة 3 مرات في عام 2015، وجسدت تلك الزيارات إنشاء "مجلس التنسيق الاستراتيجي" بين السعودية وتركيا، تلتقي فيه الرؤى المشتركة بين البلدين تجاه قضايا المنطقة على أرضية واحدة. واعتبر هذا المجلس محطة انطلاق لكلا البلدين على كافة الأصعدة، ولا يقتصر على الجانب الدفاعي، بل يمتد إلى قضايا الاقتصاد والتنمية، والاستثمار بين البلدين، خصوصا في مجال الطاقة، في حين يرى خبراء أن التعاون البارز بين الرياضوأنقرة يعطي دلالة على متانة العلاقة في إحداث تغيير لموازين المنطقة، نظرا لما يتمتع به البلدان من تأثير إقليمي وعمق إسلامي عالمي. ويرى محللون اقتصاديون أن زيارة ولي العهد إلى أنقرة ستزيد من فرص استقطاب المستثمرين السعوديين إلى تركيا، في الوقت الذي يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 6 مليارات دولار، في حين تنشط 480 شركة استثمارية سعودية بتركيا. المشاريع التنموية وفقا لتقارير حكومية رسمية، بلغ عدد المشاريع المشتركة بين الرياضوأنقرة حوالي 159 مشروعا، منها 41 مشروعا صناعيا، و118 مشروعا في مجالات غير صناعية مختلفة، وبرأسمال مستثمر يبلغ مئات الملايين من الريالات، في وقت تشغل الدولتان مركزا متقدما ضمن أهم الدول ال20 في التبادل التجاري على مستوى العالم.