تاريخيا كانت مكةالمكرمة تكاد تخلو في اليوم الثامن من ذي الحجة "يوم التروية" من أيما رجل، الذين يكونون عادة موجودين في المشاعر المقدسة، للمساهمة في خدمة الحجيج، مما يجعل هذا اليوم مخصصا بكامله لخدمة الحجاج، وليس هناك أي فعل آخر سواه. صناعة الأهالي كعك الحج "معمول وغريبة"، لتكون زادا للصاعدين للحج، أو حلوى من حلويات عيد الأضحى لمن بقي في مكة. وسجلت ذاكرة التاريخ إحياء نساء مكة عادة "القيس"، وهي عبارة عن شكل مسرحي تؤدي شخصياته النساء فقط ولمدة ثلاثة أيام، بدءا من يوم التروية إلى يوم العيد، حيث تمثل أدوار لشخصيات مسؤولة عن الأمن، وتبدأ السيدات قبل الحج بعدة أشهر في اختيار الأدوار وتوزيعها، وهي أدوار تتمثل في الشريف حاكم مكة قديما، والضباط وشيخ الحارة. تخرج النساء إلى منتصف الليل، يتنكرن بملابس الرجال، يؤدين أدوارهم، وتكون الأيام الثلاثة مهرجانا احتفاليا تنكريا، طبقا للكاتب والباحث المكي فؤاد عنقاوي، وهو الطقس الاحتفالي الذي ظل حاضرا في أيام الحج حتى مطالع السبعينات من القرن الماضي، بحسب أغلب الباحثين. تبدأ فعاليات "القيس" في أول أيام ما يعرف ب"أيام الخليف"، عندما يتوجه الحجاج إلى حجهم، ويعم الصمت أرجاء مكة التي لا يبقى فيها إلا الذين لم يتيسر لهم الحج. ما أن يرخي الليل سدوله حتى تخرج النساء متنكرات في أزياء مختلفة يتفنن في إظهار أجمل الأصوات وأحسن الإيقاع في تنافس شديد بين كل كل حارة وأخرى لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدات، واشتهرت حارة "أجياد" ببراعتها في تقديم القيس. المشهد مختصرا عندما يبدأ دق الطبول، ينقسم الحاضرون إلى مجموعتين، ثم يبدأ الإنشاد المجموعتان تغنيان، وتصفقان: ياقيسنا ياقيسنا هيا معانا بيتنا نسقيك من شربيتنا ونطلعك بيتنا ونرخي الستاير عليه أسمر ولد جارية محلى المشالي عليه شيخ الحارة: شببش يالحربي حامي ديرته المجموعة الأولى: وإن جا يهرجني ما ابغى هرجه المجموعة الثانية: وإن جا يكلمني ما ابغى أكلمه المجموعة الأولى تغني للشريف: أبو الصمادة والعقال من شفته عقلي طار المجموعة الثانية تغني للعسا، وإذا كان نائما على كرسي شريط يرفعه أربع نسوة على رؤوسهن ويغنون: الناس حجو وانت هنا ليش قوم روح بيتك قوم أخبز العيش المجموعتان ترحبان بالقادمين: حبا حبا باللي جا يامرحبا باللي جا عبو العشا للي جا شيخ الحارة وقد انتصف الليل: هيا هيا علي البيت هيا هيا زي الطير الليلة غلقت والسنة الجية بخير المجموعتان: والليلة والله مانروح والليلة عند أبو صلوح والليلة عند أبو علي والليلة نذبح الطلي يقف شيخ الحارة أمام الشريف يرقصان معا: والليلة يالخيزرانة في منى ميلوكي شيخ الحارة يصيح: هيا هيا على البيت القيس غلق هيا على البيت المجموعتان: وبعودة يامحلى الصفا وبعودة ومن العايدين