وصف مساعد وزير الخارجية الفرنسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جيروم بونافونت، المملكة العربية السعودية بأنها حليف قوي لفرنسا، كونها دولة محورية في المنطقة العربية، في ظل متابعتها لمشكلات الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج العربي مؤكداً في حوار مع "الوطن" أن إيران دولة ترعى الفتن الطائفية في المنطقة وتدعمها، لفرض نفوذها، خاصة في اليمن وسورية ولبنان. وأشار إلى أن بلاده تقف مع المملكة، لوضع حد لمطامع إيران في المنطقة. وجدد تأكيد باريس على إنسانية قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في التعامل مع المدنيين باليمن. واعترف بونافونت بوجود مظاهر الإسلاموفوبيا لدى بعض قطاعات المجتمع الفرنسي، التي تأثرت بالدعاية التي تبثها التنظيمات الإرهابية، من أن أعمالهم المرفوضة تنطلق من تعاليم الإسلام، مشيرا إلى الدور الذي يلعبه المركز الثقافي الإسلامي لإيضاح الصورة الحقيقة للدين الإسلامي، مؤكدا أن السلطات الفرنسية تتعاون معه إلى أقصى درجة. وأضاف أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس لم تكن نتيجة تقصير أمني، وعزا تزايدها إلى محاولة تنظيم داعش تخفيف الضغط الذي يواجهه، والضربات التي يتلقاها في العراق وسورية بفعل عمليات التحالف الدولي. كما تطرق إلى غير ذلك مما يخص العلاقات بين البلدين، وأوضاع المنطقة، كما تطالعونه بين سطور الحوار التالي: تطور العلاقات شهدت العلاقات بين البلدين تطورا نوعيا خلال الفترة الأخيرة، وانعكس ذلك في العديد من الزيارات المتبادلة بين قيادتيهما، إلى ماذا تعزون ذلك؟ هذه العلاقات متميزة منذ زمن طويل، وليس خلال الفترة الحالية فقط، لكنها خلال الفترة الأخيرة اكتسبت أبعادا إضافية، خاصة بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، والتطورات التي دفعت المملكة لاتخاذ مواقف حاسمة فيما يتعلق بالأزمات في مصر وسورية واليمن، وفرنسا باتت ترى في المملكة حليفا قويا، لاسيما أنها أكثر الدول تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط، وعضو في مجموعة العشرين، ورقم لا يمكن تجاهله. ونتطلع حاليا لمزيد من التحالفات والاتفاقات المهمة بين البلدين، سنتحدث عنها في حينها. أدوار إيران السالبة كيف تنظر فرنسا لموقف إيران ومسؤوليتها تجاه ما يجري في الشرق الأوسط؟ الدور الإيراني السالب في المنطقة العربية بات الآن معلوما للجميع وظاهرا عن ذي قبل، فطهران قامت بدعم مليشيات الحوثيين في اليمن، وشجعتهم على اغتصاب الشرعية، وأدخلت البلاد في متاهات الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، كما أنها تدعم حزب الله في لبنان للقيام بنفس الدور وإثارة الفتن الطائفية في لبنان وسورية، كما تدخلت ودعمت نظام بشار الأسد، بالمال والسلاح والمقاتلين، لأسباب طائفية ومذهبية أيضا، وشاركت في مجازر إنسانية لا توصف، وأيضا دعمت المتظاهرين في البحرين لإثارة البلبلة، لكن دول الخليج تدخلت ووقفت بجانب المنامة وأخرجتها من أزمتها، وكذلك الكويت والسعودية، كل هذه البلبلة تقف وراءها إيران وبأموال إيرانية، ولولا التحالف العربي بقيادة السعودية لكانت اليمن الآن لا وجود لها على الخريطة، هذا إضافة إلى دورها التخريبي في العراق، وتكوينها للميليشيات الطائفية. لذلك فإن فرنسا ومعظم الدول الكبرى أعلنت وقوفها بجوار المملكة في تصديها للمشروع ضد الميليشيات الطائفية، وإعادة الهدوء إلى المنطقة العربية. تأييد الموقف السعودي معنى ذلك أن فرنسا ودول التحالف الغربي تؤيد عاصفة الحزم؟ بالطبع، وباريس أعلنت ذلك الموقف الصريح منذ بداية العاصفة، كون العمليات العسكرية التي شنها التحالف العربي في اليمن تتوافق مع الاشتراطات الدولية، وأولها التدخل بناء على طلب رسمي من سلطة شرعية منتخبة، وأن هدفها هو حماية الدولة وإعادة الهدوء والاستقرار، وهذا لن يحدث في ظل سيطرة ميليشيات الحوثي على الدولة، والسعودية وحلفائها العرب ليست لهم مطامع استعمارية في اليمن، وكذلك لم ترصد الهيئات المراقبة للحرب قيام القوات العربية بقصف المدنيين أو ارتكاب تجاوزات إنسانية، بل بالعكس فإن تقرير منظمة الصليب الأحمر الصادر في مايو الماضي أبرز الدور الإنساني الذي تلعبه المملكة ودول الخليج في اليمن، وحجم المساعدات التي تقدمها عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، للمدنيين المتضررين من الحرب، دون التفرقة بينهم مذهبيا أو دينيا أو عرقيا، وهذا شيء يحسب للتحالف العربي، ونحن ندعم القوات العربية لعلمنا أنها تخوض حربا مشروعة ضد ميليشيات انقلابية، حفاظا على أمن الخليج الذي يبدأ من أمن اليمن، الجميع يعلم أنه في ظل وجود هذه الميليشيات لن تنعم منطقة الشرق الأوسط بالاستقرار، كما أن وجود الحوثيين وسيطرتهم على اليمن يشكل تهديدا للأمن العالمي، وسيدفع المجتمع الدولي ثمن توسعهم، كما حدث بالضبط مع تمكُّن حزب الله في لبنان وجميع الأذرع الإيرانية في المنطقة. حزب الطائفية والمذهبية على ذكر حزب الله، ألا ترون أنه سبب أساسي في تزايد الأزمات بالمنطقة العربية؟ بالتأكيد هو طرف أصيل وذراع رئيسي لإيران في منطقة الشام، وسبب في تفاقم الأزمة في سورية ولبنانوالعراق، فحزب الله ميليشيا لا تختلف كثيرا عن الحوثيين، ويقوم على الطائفية، ويوجه سلاحه دون تفكير أو حكمة إلى صدور من يختلف معهم، حتى داخل المذهب نفسه، ومطامعهم في المنطقة لا حدود لها، وتتصل بمطامع إيران، لكنه رغم كل ذلك يظل حزب الله مجرد ميليشيا محدودة التأثير في المنطقة، لا ينبغي تضخيمها أو منحها أكثر مما تستحق. فشل الثورات وما رأيك في ثورات الربيع العربي؟ النتيجة الفعلية لما أطلق عليه ثورات الربيع العربي هي الدمار والخراب وتراجع مكانة الدول، وهذا بالضبط ما يحدث في اليمن وسورية وتونس وليبيا، حيث انتشر الخراب والدمار والصراعات القبلية والطائفية، وللأسف لم تأت أي ثورة بنظام ديمقراطي كما سعى الثوار، باستثناء تونس، وما حدث هو اندلاع ثورات من أجل تحسين مستوى المعيشة، قام بها المدنيون وقفز عليها الطامعون في السلطة، فنشبت الصراعات والتناحر بين الطوائف والقبائل، وسيطرت كل فئة على منطقة، وقسمت البلاد، وانتشرت العصابات الإرهابية، تقتل وترهب المواطنين، ولم يتحقق للثوار شيء مما ثاروا من أجله، بل بالعكس الأمور ساءت أكثر مما كانت عليه. تقهقر الدواعش ماذا عن التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا؟ خلال الأيام الماضية، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وجود قوات عسكرية فرنسية في ليبيا، بعد مقتل ثلاثة عسكريين، الشهر الماضي، لكن هناك مفاوضات تدور في الوقت الحالي بين باريس وحكومة الوفاق الوطني الليبية، وسوف يعلن عن تفاصيل الموضوع قريبا. إلى أين وصلت حرب قوات التحالف الدولي على تنظيم داعش، وهل ترى أنها تحقق تقدما؟ قوات "داعش" في العراق فقدت الكثير من قوتها وتراجعت في أغلب المحافظات التي كانت تسيطر عليها، وأصبحت الآن محاصرة في مناطق بسيطة، لكن الأمر بالنسبة للعصابات معقد، فليس لها أهداف واضحة لضربها، ولا ينتشرون في جماعات، هم يجيدون التحرك بتكتيك العصابات بين المدنيين وبشكل فردي، وينتشرون بين المنشآت المدنية، لذلك استغرقت الحرب ضد مليشيات "داعش" وقتا طويلا وقد تمتد إلى فترة أطول، لأن قوات التحالف الدولي تتوخى الحذر في عملياتها العسكرية لضمان عدم استهداف المدنيين، وعصابات "داعش" تعلم ذلك وتستغل السكان كدروع بشرية، ورغم ذلك فإن القوات الدولية على وشك القضاء عليهم. رد فعل الإرهابيين تصاعدت العمليات الإرهابية في فرنسا، إلى ماذا تعزو ذلك، وهل صحيح أنه يوجد خلل أمني كما أشار البعض؟ تنظيم "داعش" وأذرعه الإرهابية، استطاع خلال السنوات القليلة الماضية تجنيد مجموعات من الشباب المراهقين في أوروبا، وقام بغسل أدمغتهم وإغرائهم بالمال والنساء وغيرها من الإغراءات، وقام بتوزيعهم داخل أوروبا، خاصة بفرنسا، في شكل خلايا نائمة تعمل بمعزل عن بعضها، وكلما زادت ضغوط قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة على جبهات القتال في سورية والعراق، يتم تنفيذ عملية انتحارية في أوروبا، لشغل الحكومات المشاركة في التحالف في الشأن الداخلي، وتخفيف الضغط على جبهات القتال، وأيضا لإثارة الرأي العام الداخلي في دول التحالف ضد حكوماتها لنفس الغرض، لكن هذا التكتيك لم يحقق أي نجاح يذكر، فاستمر تجنيد الخلايا الإرهابية في دول أوروبا، فقط من أجل الانتقام، وقريبا سنتمكن من القضاء على جميع هذه الخلايا النائمة، خاصة بعد توسيع دوائر الاشتباه في إطار تفعيل قانون الطوارئ الجديد، وما يتيحه من صلاحيات فيما يتعلق بإجراءات الاشتباه والمراقبة والاعتقال. انتشار العداء للإسلام بالمقابل يشكو البعض من تزايد موجات الإسلاموفوبيا في فرنسا، خاصة بعد حادث استهداف مجلة "شارلي ايبدو" في يناير 2015. أمر طبيعي أن يشعر المواطن الفرنسي بتشتت الذهن بعد الهجمات الإرهابية المتتالية داخل بلاده، خاصة وهو يستمع يوميا من خلال البرامج الحوارية بالفضائيات المختلفة إلى أن هذه الجماعات الإرهابية تقتل بأمر من الله ومن أجل الإسلام، ومن هنا توالدت الكراهية لدى البعض تجاه الإسلام والمسلمين، واستغلت بعض الدوائر المعادية للمسلمين هذا الظرف، وقام عدد من المواطنين تحت تأثير هذه الكراهية بالاعتداء على رعايا مسلمين وعلى المساجد في أكثر من ولاية فرنسية. لكن السلطات في باريس قامت مؤخرا بحملة توعوية، بالتعاون مع المركز الثقافي الإسلامي بباريس، وبذلت جهودا جبارة لتصحيح المفاهيم لدى الرأي العام، وتوضيح الفرق بين الإسلام والإرهاب، وتأكيد أن هؤلاء الإرهابيين لا علاقة لهم بتعاليم الإسلام. التصدي لحملات الكراهية ما هو الموقف الذي اتخذته باريس للتصدي لظاهرة الكراهية؟ أوضح الرئيس هولاند في خطابه عقب حادث نيس الإرهابي الأخير، وأيضا حادث اقتحام الكنيسة وقتل الراهب، أن الإسلام بريء من هذه العمليات الإرهابية وترفضها تعاليمه الصحيحة، وقد تراجعت الاعتداءات على المواطنين المسلمين بنسبة كبيرة خلال الشهور الستة الماضية، بعد إطلاق المركز الثقافي حملته التوعوية، حيث سجلت الإحصاءات خلال الفترة من يناير 2015 وحتى يناير 2016 حوالي سبعة آلاف حالة اعتداء على مسلمين، وعلى دور عبادة إسلامية، في حين سجلت الشهور الستة الماضية حوالي 123 حالة فقط، مقارنة بحوالي 3412 حالة في ستة الأشهر الأولى من العام الماضي، الأمر الذي يعني تراجع الإسلاموفوبيا في فرنسا بنسبة كبيرة، ولا ننكر أنه ما زالت حالة الكراهية للإسلام والمسلمين موجودة إلى حد ما في بعض قطاعات المجتمع الفرنسي، بسبب بعض أصوات المعارضة وكتابات عدد من الإعلاميين الذين اعتادوا مهاجمة الإسلام والمسلمين بعد كل حادث إرهابي، ونحن نعمل على علاج ذلك وسوف ننتهي من هذا الأمر مستقبلا.
تصحيح صورة الإسلام ما دور المركز الثقافي الإسلامي في فرنسا؟ وهل هناك تضييق على عمله؟ المركز الثقافي الإسلامي بباريس، منظمة أهلية مؤسسة ومرخصة بدعم سعودي، ولا يوجد أي تضييق عل أعماله، بل بالعكس، فإن الحكومة الفرنسية بمختلف وزاراتها متعاونة جدا معه، وقام المركز ببناء أكثر من 50 مسجدا خلال السنوات العشر الماضية في مختلف الولايات الفرنسية، بدعم سعودي، وهي مساجد ملتزمة بأنظمة الدولة، ويقودها أئمة يفهمون صحيح الإسلام، وحصل المركز على التراخيص اللازمة دون أي عناء أو مشاكل، كما يقوم أئمة المركز بإلقاء الدروس في المساجد والمجمعات التابعة للمركز بكل حرية ودون أي تعرض لهم، وتقوم الحكومة الفرنسية بمنح أي تراخيص للمركز، وتتعاون في استقدام المشايخ والعلماء في أي وقت، لعلم الحكومة الفرنسية بأن المركز يعمل تحت إشراف سعودي، مما يعني أنه مركز موثوق فيه ويقدم الدين الإسلامي المعتدل البعيد عن التطرف والمغالاة، ولم يحدث أبدا منذ تأسيس المركز في تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن أن تعرض المركز لأي مضايقات من أي جهة.