أظهرت قمة حلف الناتو في العاصمة البولندية وارسو، معقل حلف "وارسو" والذي كان يمثل المعسكر الشرقي في مواجهة الغرب قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، مفارقات سياسية وتاريخية غير مسبوقة، وسط امتعاض روسي وغضب غير مسبوق من جانب موسكو، فضلا عن تلميحات وتصريحات باتخاذ إجراءات جوابية للرد على قرارات الناتو المتوقعة. وفق تقارير عديدة، فإن هذه القمة هي الأسخن خلال ربع القرن الأخير، أو على نحو أكثر دقة، خلال الفترة التي أعقبت انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي . فقادة الحلف أعلنوا عشية القمة عن الخطوط العريضة لقراراتهم التاريخية إزاء روسيا بالدرجة الأولى، وبشأن العديد من القضايا الأخرى التي يرى الحلف أن من حقه مناقشتها وتقرير مصيرها وتوجيهها بما يخدم مصالحه ومصالح أعضائه الثمانية والعشرين. تعزيزات عسكرية وفي تصريحاته عشية القمة وخلال يومها الأول، تعهد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتينبيرج، بتعزيز تواجد الحلف العسكري في أوروبا الشرقية لمواجهة أي تهديد خارجي. أي ببساطة، التهديد الروسي المباشر وغير المباشر. ولكن الحلف والولاياتالمتحدة يتحدثان عن تهديدات صاروخية من جانب إيران، وتهديدات صاروخية نووية من جانب كوريا الشمالية. وفي ختام اليوم الأول من أعمال قمة وارسو، أعلن الأمين العام للحلف، وكما كان متوقع بالضبط، "أنه لا يمكن عزل روسيا مؤكدا مواصلة الحوار معها لتفادي أي صدام". ولكن هذا التصريح المتوقع، والذي سبق وأن ردده ستولتنبيرج وزعماء الناتو الآخرون، يأتي كمقدمة فقط لتصريحات أخرى أكثر حدة وسخونة وتحديا. إذ أعلن ستولتينبيرج أنهم قاموا بخطوات تكميلية وقرروا تعزيز الوجود العسكري في الأجزاء الشرقية من الحلف، عبر نشر أربع كتائب في بولندا وفي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا على أساس المناوبة. هذه الكتائب ستكون قوية ومتعددة الجنسيات وستظهر قوة الحلف الأطلسي وتوضح أن الهجوم على أحد أعضاء الحلف هو هجوم على سائر أعضاء الناتو". سياسة موحدة أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فقد أعلن صراحة مع قادة الاتحاد الأوروبي على أنهم متفقون تماما على ممارسة سياسة موحدة في التعامل مع روسيا، ومع قضايا عديدة أخرى تتعلق بنفوذ الحلف وانتشاره. وبالتالي، فلا وجود للأوهام الروسية بشأن الانقسام في الاتحاد الأوروبي، وبالذات في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا. كل ما في الأمر أن تصريحات القادة الغربية تحمل أوجها كثيرة، ويفهمها الكرملين ووسائل الإعلام الروسية كما يحلو لهم. وفي هذا الصدد بالذات، عوَّلت روسيا على أن بريطانيا التي قد تنسحب من الاتحاد الأوروبي، قد تنسحب أيضا من حلف الناتو. ولكن لندن الرسمية أعلنت العكس تماما، وأكدت على أنها ستظل إحدى قاطرات حلف الناتو القوية إلى جانب الولاياتالمتحدة.