وصف مراقبون أن العلاقات الباكستانيةالإيرانية التي تأزمت في الفترة الأخيرة على خلفية تمادي إيران في التدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية، تتعرض حاليا لموجة جديدة من الخلافات بسبب ما تردد عن دور الاستخبارات الإيرانية في تعقب زعيم تنظيم طالبان السابق الملا أختر منصور وقتله بواسطة طائرة بدون طيار أميركية الأسبوع الماضي في منطقة تفتان الحدودية بين إيرانوباكستان والقريبة لإقليم بلوشستان الباكستاني. فبينما أنكرت إيران أن الملا أختر منصور كان في زيارة لإيران حينما قتل، فإن مصادر عسكرية أكدت أنها عثرت في السيارة التي كانت تقله على جواز سفره وهو يحمل تأشيرة رسمية لإيران، كما عثرت على عملة أجنبية باليورو، إضافة إلى عملة باكستان. وذكرت المصادر، أن الملا أختر منصور، زار إيران مرتين على الأقل خلال العام الجاري، الأولى في 19 فبراير الماضي، عن طريق مدينة تفتان الحدودية، والثانية في 25 أبريل الماضي، لكنه قتل هذه المرة عند عودته من إيران بتاريخ 21 مايو الجاري. وأضافت أن الملا أختر منصور قام بالعديد من الزيارات لخارج باكستان في إطار المباحثات السرية مع كل من الولاياتالمتحدة، وحكومة أشرف غني لحل الحرب الأهلية في أفغانستان بالطرق السلمية في إطار لجنة التنسيق الرباعية التي تضم أميركا والصين وأفغانستانوباكستان، وأن واشنطن تعهدت للجنة بعدم استهدافه. وحسب المصادر، فإن الملا أختر منصور، بدأ بلعبة مزدوجة مع كل من باكستانوالولاياتالمتحدة عندما أجرى اتصالات سرية مع إيران وزارها للحصول على أموال وأسلحة إيرانية كي يستهدف الجيوش الأميركية والأطلسية والجيش الوطني الأفغاني في حرب بالوكالة لتقوية النفوذ الإيراني في أفغانستان، مشيرة إلى أن المخابرات المركزية، رصدت هذه الاتصالات التي تبين منها إصرار منصور على الهجوم الربيعي لطالبان على الرغم من أنه كان يؤكد لأميركا ولجنة التنسيق الرباعية حرصه على الحل السلمي للحرب الأهلية في أفغانستان، ومن ثم أخذت الإدارة الأميركية قرارا بمراقبته والتخلص منه بواسطة طائرة بدون طيار. استياء إسلام أباد رغم صمت السلطات الرسمية حول دور إيران في تجنيد الملا أختر منصور، فإنها تشعر باستياء من إيران لأنها تدخلت بالأمر دون أن تكون ضمن لجنة التنسيق الرباعي، ولأن اتصالاتها مع منصور تسببت في إجهاض جهود السلام التي كانت تبذلها لجنة التنسيق، فمراوغة إيران وتناقض مواقفها يبينان مدى خطورة السياسة التي تنتهجها ليس في الشرق الأوسط والخليج العربي فحسب، بل في شبه القارة الهندية، مما يزيد من أزمة الثقة بينها والمؤسسة العسكرية، ويشير إلى عمق تفاهمها مع الإدارة الأميركية بعد الحوار السري بين طهرانوواشنطن، الذي أدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. الاتصالات السرية رصدت باكستان منذ شهر أبريل الماضي، أن إيران كانت على اتصالات سرية مع مختلف فصائل طالبان النشطة، داخل أفغانستان وبصورة حيرت السلطات الباكستانية لاسيما أنها كانت تجري مباحثات معها حول تسوية الأزمة الأفغانية بالطرق السلمية. وحسب المعلومات التي تم التوصل إليها فإن إيران أجرت حوارا سريا مع مختلف فصائل حركة طالبان الأفغانية، فيما ادعت طهران بأن تلك الاتصالات تهدف إلى تعبئة طالبان في الحرب ضد تنظيم داعش في خراسان. وأعربت المخابرات العسكرية الخارجية "آي. إس.آي" عن استيائها من اتصالات إيران بفصائل طالبان بينما كلفت لجنة التنسيق المشترك الرباعية الحكومة الباكستانية الاتصال بطالبان وإقناع قادتها بالمشاركة في حوار مباشر مع حكومة أشرف غني للتوصل إلى صيغة سلمية لإنهاء الحرب الأهلية في أفغانستان. في الأثناء كلف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أجهزة الاستخبارات الإيرانية بإدارة الحوار السري مع طالبان وتعبئتهم وتزويدهم بالمال والسلاح ليقوموا بحرب بالوكالة في أفغانستان، إضافة إلى ذلك بدأت إيران بنشاطات سياسية واسعة النطاق في أفغانستان، ركزت فيها على توثيق التعاون مع فصائل طالبان المختلفة. كما أرسلت إيران وفودا لمقابلة رئيس طالبان السابق الملا أختر منصور، كذلك أجرت مباحثات مع مجموعة الملا عبدالقيوم ذاكر الذي كان يرأس قبل ذلك المجلس العسكري لحركة طالبان. ميليشيات في أفغانستان لم تقتصر المعلومات على الاتصالات الإيرانية بحركة طالبان على الجانب الباكستاني، فقد أعربت المخابرات الأفغانية عن قلقها من اتصالات إيران مع فصائل طالبان، ورفعت الموضوع للقائم بالأعمال الأميركي في أفغانستان، ديفيد لنداول، لكن الأخير لزم الصمت فلم يصدر عنه أي بيان حوله. على الجانب الآخر، بدأ رئيس الحرس الإيراني، حسين طيب، في تشكيل ميليشيا تحت اسم "فاطميون"، وتتكون من متطوعين من اللاجئين الأفغان في إيران، ونشرها أخيرا في سورية والعراق واليمن. كما بدأ حسين طيب بتجنيد جنود أفغان من مقاطعات باميان، وهيرات، وهزاره، حيث يشكل الموالون لإيران غالبية فيها، وتم تدريب أولئك الجنود في مخيمات خاصة. ووفقا للمراقبين فإن هذه السياسة الإيرانية ستؤثر سلبا على العلاقات الباكستانيةالإيرانية لأن باكستان تفسرها بأنها محاولة إيرانية مناهضة لسياسة باكستان التي أعلنت أخيرا أنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار في أفغانستان، لأنه يخدم مصالحها القومية والإستراتيجية، ولأن باكستان نبذت سياسة اعتبار طالبان "عمقها الإستراتيجي"، بل إن عمقها الإستراتيجي هو تقوية النظام الحاكم في أفغانستان وانتشار السلام فيه. علم أيضا أن باكستان أثارت بالطرق الدبلوماسية السرية تدخل إيران في الشؤون الداخلية الباكستانية واستخدام الورقة الطائفية في وقت تسعى فيه الحكومة إلى وحدة الجبهة الداخلية من أجل مواجهة العناصر الإرهابية. نشر المخربين حرصت إيران على تعزيز نفوذها في باكستان من خلال دعم الأقلية الشيعية على أراضيها التي تبلغ نسبتها ما بين 15 إلى 20 % من تعداد السكان منذ عهد شاه إيران السابق. لكن الدعم الإيراني للشيعة وتشجيعهم على تشكيل أحزاب سياسية ومدارس دينية طائفية ازدادا بصورة ضخمة إبان عهد الخميني. في نفس الوقت أخذت أجهزة الإعلام الباكستانية الخاصة تشن حملة على إيران لمحاولاتها نشر الفتنة الطائفية في باكستان من خلال إنفاق أموال ضخمة على فئة من مقدمي البرامج المثيرين للجدل. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن ملالي إيران يعيشون حالة من الإفراط من الثقة بالنفس أوصلتهم إلى التباهي بقوتهم ومالهم لدرجة أنه أدخل في روعهم أنه بوسعهم تحقيق أي أمر يحلو لهم وإن كان يخرق الأعراف والمواثيق الدولية، وأهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة. وفي سياق متصل استدعت وزارة الخارجية الباكستانية، عدة مرات سفير إيران لدى باكستان لمحاولاته المتكررة استخدام الورقة الطائفية في باكستان التي تسعى جاهدة إلى وحدة الصف الداخلي لمحاربة المنظمات الإرهابية في باكستان، وفي مقدمتها تنظيم داعش في خراسان وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية. وحسب تقارير إخبارية فإن إيران بدأت تصدر الإرهاب إلى باكستان من خلال دعم المنظمات الإرهابية البلوشية لاسيما الجيش الجمهوري البلوشي الانفصالي الذي يستهدف الجيش والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة في إقليم بلوشستان الباكستاني والبنية التحتية في الإقليم في محاولة لإجبار الحكومة على قبول فصل الإقليم عن باكستان وإقامة الدولة البلوشية. ورصدت المخابرات العسكرية الباكستانية أجهزة المخابرات الإيرانية وهي ترسل مخربين لبلوشستان الباكستانية بعد تدريبهم بمخيمات في قم ومشهد، مما جعل رئيس أركان الجيش الجنرال راحيل شريف يحتج بقوة على الرئيس الإيراني حسن روحاني عندما زاره في القيادة العامة للجيش في شهر مارس الماضي.
دعم المذهبية قالت تقارير إن إيران عملت في باكستان من خلال دعمها لمنظمات موالية لطهران من بينها تشجيع المرجع الشيعي مفتي جعفر حسين على تعبئة الشيعة في جبهة واحدة، تحولت إلى حزب سياسي عام 1987. كان حسين عضوا في مجلس الفكر الإسلامي، وخلفه عارف الحسيني الذي اغتيل فيما بعد دعوته إلى إشعال ثورة في باكستان على غرار الثورة الخمينية، إثر ذلك خلف الحسيني سيد ساجد نقوي الذي شكل "حركة تنفيذ الفقه الجعفري"، لكن الحركة حظرت نظرا لتورطها في أعمال العنف الطائفي، فغيرت اسمها إلى "الحركة الجعفرية الباكستانية"، فحظر الجنرال برويز مشرف نشاطاتها أيضا، لكن ساجد نقوي غير اسمها مرة أخرى فسماها ب"الحركة الإسلامية الباكستانية"، لكن مضمونها ظل طائفيا ومرتبطا بإيران. ونظرا لخطورة الحركة على الوضع الأمني فقد احتجت مختلف الحكومات الباكستانية على إيران لدعمها الحركة، مما أثر سلبا على العلاقات ما بين البلدين، كما ضعفت الحركة أخيرا بفعل تورط رئيسها ساجد نقوي بالفساد، حيث كان يختلس الأموال التي يستلمها من إيران، وينفقها على نفسه وأتباعه. كما اعتمدت إيران على منظمة طائفية باسم "سباه محمد" أو "جند محمد"، شكلها علامة غلام رضا نقوي في محافظة "جهنك" بإقليم البنجاب عام 1993 لمواجهة منظمة "سباه الصحابة" أو "جند الصحابة" السلفية. ومن المنظمات الأخرى الموالية لإيران "حزب الجهاد" الذي أسسه آغا مرتضى بويا في أواخر السبعينيات بتمويل من إيران كحزب سياسي، واستخدمته إيران للحصول على قطع غيار لأسلحتها أميركية الصنع من السوق السوداء. ولعب بويا دورا مهما في ذلك المجال، حيث كان مهربو الأسلحة ينقلون قطع الغيار من السفن الإسرائيلية إلى السفن الإيرانية مقابل استلام ثمنها نقدا. لكن بويا سرق جزءا من الأموال الإيرانية، فاستدعته إيران إلى مؤتمر ديني في "قم"، وخلال ذلك ألقت القبض عليه وسجن لمدة 6 أشهر. كما اعتمدت إيران على ما يسمى مجلس وحدة المسلمين، وهو حزب شيعي سياسي أسسه سيد ناصر عباس جعفري، يرفع شعار وحدة المسلمين الشيعة والسنة، ولكنه على ارتباط وثيق بإيران، ولديه وجود في "قم" وبريطانيا واتصالات مع حزب الله في لبنان. وفتح الحزب العديد من الفروع في أقاليم البنجاب والسند وخيبر بختونخواه. كما لديه تواجد قوي في المناطق الشمالية "جلجت بلتستان" وكشمير الحرة. تهميش دور طهران شهدت العلاقات الباكستانيةالإيرانية نكسة كبرى، وذلك قبل مقتل زعيم طالبان الملا أختر منصور، إثر توقيع رئيس الوزراء نواز شريف، على اتفاقية لاستيراد 1000 ميجا واط من الطاقة الكهربائية من طاجيكستان وقيرغستان خلال زيارته الرسمية للعاصمة الطاجيكية، ووقع على الاتفاقية رئيس وزراء قيرغستان، جينبوكوف سيرانبائي، والرئيس التنفيذي الأفغاني عبدالله عبدالله. كما قررت الحكومة التوقيع على اتفاقية مع شركة لاستيراد الغاز المسال، مما يعني تجميد مشروع أنابيب الغاز الإيراني- الباكستاني، وتهميش دور إيران في مشاريع التنمية وبناء البنية التحتية في جنوب آسيا وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ضمن توجه عام لتشجيع التجارة والاستثمار كخطوة أولى للوحدة الاقتصادية ما بين جنوب آسيا وجمهوريات آسيا الوسطى. وبينما همش دور إيران في المشروع فإن باكستان اتخذت خطوات لتفعيل العلاقات الباكستانية - الأفغانية حينما تعهد نواز شريف بالتنسيق مع الجانب الأفغاني بضبط الحدود الباكستانية - الأفغانية على الجانب الآخر، تتهم المؤسسة العسكرية في باكستان، إيران علنا بأنها تتدخل أيضا بالشأن الداخلي الباكستاني من خلال دعم حركات التمرد في إقليم بلوشستان الإستراتيجي، مما يعيق تنفيذ المشاريع الإنمائية في الإقليم وإنجاز مشروع رواق الطاقة الصيني الباكستاني الذي رصدت له بكين 46 مليار دولار أميركي وينطلق من إقليم بلوشستان. ماذا كان يفعل الملا منصور في إيران؟ أبها: محمد جمعان قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن مقتل زعيم حركة طالبان أفغانستان السابق الملا أختر منصور، أثناء عودته من إيران أكدت العلاقة بين طهران والحركة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة لن تغير قواعد اللعبة، وإن كانت تمثل تغيرا مهما في العلاقة بين الجانبين. وأشارت المجلة إلى تغيرات طرأت على العلاقة بين طهران وطالبان، عام 1998 عندما أعدمت طالبان ثمانية دبلوماسيين إيرانيين في مدينة مزار شريف شمالي أفغانستان ذات الأغلبية الشيعية، لافتة إلى أن هذه الواقعة لم تمنع إيران من مد جسور العلاقة مع الحركة الأفغانية بعد ذلك، ولتأخذ شكلا من التناغم وصل إلى درجة التحالف في بعض الأوقات. وأوضح الكاتب "مايكل كوجيلمان" في مقالته المعنونة ب"ماذا كان يفعل الملا منصور بإيران؟"، أن طائرات أميركية بدون طيار انطلقت من أفغانستان، وتابعت حركة سير الملا منصور من خلال تتبع شريحة الاتصال الخاصة به، وهو يعود من إيران عابرا الحدود إلى بلوشستان في باكستان، حيث استهدفت سيارته بالقصف داخل الأراضي الباكستانية، ويظهر جواز السفر الذي عثر عليه بجانب جثته والذي بين أن منصور كان موجودا في إيران منذ 27 أبريل، كما يظهر أن منصور تردد على إيران عدة مرات خلال فبراير ومارس الماضيين. دهشة واستغراب وقال كوجيلمان إن ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب هو قيام الملا منصور بترك ملاذه الآمن في بلوشستان بباكستان والتوجه إلى إيران، بينما يعرف العالم أن إيران لم تكن صديقة لحركة طالبان، حيث وقفت مع تحالف الشمال الأفغاني بقيادة أحمد شاه مسعود في حربه مع طالبان قبل الغزو الأميركي، وقدمت خرائط للأميركيين تظهر مواقع مقاتلي طالبان داخل الأراضي الأفغانية. وأضاف الكاتب أن هناك تفسيرات لزيارة الملا منصور إلى إيران، من بينها أنه ذهب إلى هذا البلد لتلقي العلاج، وكي يتجنب عيون الاستخبارات الباكستانية في حال قصد المستشفيات في باكستان، كما أن البعض يرى أنه ذهب لإيران لزيارة عائلته، غير أن الاستخبارات الأميركية كانت تعرف خط سيره، واعترضت اتصالاته، وكانت تعرف رقم شريحة الهاتف النقال الذي لديه. وأشار إلى أن القوات الدولية في أفغانستان اعترضت شحنات أسلحة كانت في طريقها من إيران إلى طالبان، وأن الطرفين يشتركان في حدود طويلة تسمح لمقاتلي طالبان بتهريب المال والبضائع والمقاتلين، لافتا إلى أن التعاون ظهر للعلن بعد ذلك بافتتاح طهران مكتبا للحركة في مدينة زاهدان الإيرانية عام 2012، والتي يقيم فيها ملايين الأفغان. منطقة عازلة نقلت المجلة في تقريرها عن الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في أفغانستان، السفير فرانز مايكل ميلبين، قوله إن "الإيرانيين يحاولون منذ مدة تأمين حدودهم مع أفغانستان من أي اختراقات يقوم بها مقاتلو تنظيم داعش، وذلك عبر العمل مع مجموعات مختلفة، بينها أمراء حرب وأعضاء من طالبان بهدف إقامة منطقة عازلة، مشيرة إلى أن إيران زودت طالبان بعدد من الأسلحة الخفيفة والذخائر وقذائف صاروخية وأموال. وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، قد صرح بأن "على إيران العمل بشكل مباشر وإيجابي مع الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لدعم استقرار أفغانستان وسيادتها وسلامة أراضيها"، مضيفا أنه "لا يجب على أي حكومة أن تقوم بتوفير الدعم لطالبان".