رصدت "الوطن" حسابات مجمعات الأمل على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث وجد أن عدد متابعيها لا يتجاوزون 2700، فيما لم تكن هناك حسابات رسمية تابعة لأي من مستشفيات الصحة النفسية المنتشرة في مناطق المملكة، لأنها تتبع مديريات الشؤون الصحية المعنية دائما بنشر أخبارها عبر مواقعها وحساباتها. ضعف التواصل قال عدد من الباحثين الذين استطلعت آراؤهم "الوطن" إن التواصل مع الجمهور أمر هام، إلا أن البعض منهم دافعوا عن هذه المنشآت موجهين التهمة في إهمال المرضى النفسيين إلى المجتمع بحجة أنه يرفض علاجهم أو الاهتمام بهم. وقال عدد منهم إن المجتمع يرفض فكرة المرض النفسي ويرفض علاج المريض، متسائلين عن كيفية تواصل الكثيرين مع المنشآت التي تهتم بعلاج هذه الحالات. وكشف الاستشاري النفسي الدكتور عبدالرحيم الميرابي أن هناك اختلافا حول تقبل المرض النفسي باختلاف ثقافات كل مجتمع، وبالتالي يختلف معه تقبل المريض نفسه، فالمجتمع السعودي والعربي بعامة يتحرج من عيادة الأمراض النفسية ومراجعة الطبيب النفسي، حيث يملي عليهم التكوين الثقافي أن المرض النفسي "مسبة" وعيب اجتماعي، فإذا ما أراد أحد احتقار آخر أو النيل من مكانته فإنه يصفه بالمريض النفسي، أو أن يقول عنه إنه بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي، وقد ساهمت بعض المسلسلات العربية في نشر هذه الثقافة البائسة، وأخص بها المصرية على وجه التحديد، حيث تقدم المسلسلات المريض النفسي على أنه مدعاة للسخرية والضحك والتندر، لذلك فمجتمعنا العربي ساهم بقصد أو بغير قصد في تأخر قبول العلاج النفسي لمرضاه، مما يدعو للشعور بخيبة الأمل؛ أنْ نجدَ بعض الأُسَر تتحرج أو تخجل من مريضها النفسي، فتودعه إحدى المصحات النفسية، ثم تتركه هناك دون أن تزوره أو تسأل عنه، وترفض استلامه بعد علاجه، وإنْ استلمته فإنها لا تهتم بإعطائه الدواء؛ مما يتسبب في انتكاسته والرجوع به إلى المصحة التي خرج منها. أمور سرية يؤكد الميرابي أن البعض يلجؤون لعلاج مرضاهم بطرق سرية بحيث ينسقون مع مراكز العلاج وينقلون المرضى إلى هناك دون أن يعلم أحد خوفا من المجتمع وعاداته وتقاليده، إلا أن هناك البعض منهم يتصرفون بطرق أغرب من ذلك، فعندما يودعون مرضاهم في هذه المستشفيات ويتسلمونهم بعد انقضاء فترة التنويم يأخذون العلاج وطرق استخدامه، ثم لا يقومون بإعطائه للمريض، بحجة أن المريض يرفض استخدام الدواء، وهذا صحيح، ولكن ليس في كل الحالات، بل في بعضها، ويكون الغرض من ذلك هو إعادة المريض إلى المستشفى ليتلقى العلاج هناك، وذلك بهدف التخلص منه. وأضاف "أيضا في حال صرف دواء مهدئ، أو منوم للمريض؛ فإن بعض أفراد أسرة المريض، يتناولون هذا الدواء ثم يدمنون عليه، وما إن يشتد إدمانهم حتى يكونون هم بحاجة إلى مراجعة المستشفى بدلا عن مريضهم الذي لم يدمن على الدواء؛ لأنه لم يستعمله إلا أثناء وجوده بأقسام التنويم بالمستشفى ربما لفترة قصيرة". المرض النفسي والعقلي يكمل الميرابي حديثه قائلا إن ثمة خلط بين الأمراض النفسية "العصابية"، والأمراض العقلية "الذهانية" وهذا أمر بالغ الأهمية في تحديد العقوبات الجنائية. وقال: "ما ينطبق على المريض النفسي؛ لا ينطبق على المريض العقلي، من حيث التكليف، فالمريض العقلي تسقط عنه التكاليف الشرعية، كالصلاة والصوم والحج، ولا يطبق بحقه القصاص لفقدانه الأهلية الشرعية، بينما المريض النفسي يختلف بحسب نوع المرض الذي يعاني منه". المرض النفسي والجريمة يعتقد استشاري الطب النفسي الدكتور علي زائري أن كثرة الجرائم بسبب العنف الأسري الذي تندرج تحته أنواع مختلفة منها التعنيف اللفظي والنفسي والجسدي والجنسي والمالي والاجتماعي وغيرها، تعد مؤشرا يدل على زيادة الضغط النفسي والمعاناة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وأن التكتم وإخفاء الحقائق بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية والمحاسبة القانونية يقفان خلف جرائم كثيرة لا نسمع بها ولا تصل إلينا، وأن الأطفال أكثر الفئات تأثرا في حال تعرضهم للتعنيف بأي شكل كان. وأضاف: سينتج عن ذلك بعض الاضطرابات النفسية مثل "اضطراب ما بعد الصدمة"، وهو نوع شديد من أنواع القلق النفسي الذي قد يستمر مدى الحياة لدى المعنف، ولكن هناك احتمالية لإصابة الطفل بالاكتئاب وزيادة القابلية للانحرافات السلوكية وممارسة العنف ضد الآخرين، حيث أظهرت الدراسات أن الآباء المعنفين لأبنائهم في الأصل تعرضوا للعنف في صغرهم، لذلك فإن الضريبة التي سيدفعها المجتمع في حال عدم تدخله بحل المشكلة هي تزايد العنف داخله بطريقة ملفتة للنظر، وقد يكون ما نراه اليوم من تزايد ظواهر العنف هو أحد نتائج عدم التدخل المجتمعي في أوقات سابقة ومبكرة.