رغم توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية "5+1" في يوليو من العام الماضي، وقرب الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، نتيجة لبرنامج العقوبات الذي فرضته الولاياتالمتحدة والدول الغربية على طهران، بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، إلا أن لهجة المرشد الأعلى، علي خامنئي، العدائية ضد الغرب عموما وأميركا على وجه الخصوص استمرت، بل شهدت ارتفاعا لافتا خلال الفترة الماضية، حيث لم يترك خامنئي مناسبة تمر إلا واستثمرها لتوجيه الاتهامات للولايات المتحدة. ويشير محللون سياسيون إلى أن تهجم المرشد على الدول الغربية يأتي في سياق صراع خفي بينه وبين الرئيس حسن روحاني، الذي يسعى لتغيير العلاقات بين بلاده والدول الكبرى، مشيرين إلى أن خامنئي يشعر بالخوف من الإدارة الأميركية المقبلة، واحتمال تراجعها عن تنفيذ الاتفاق، بعد قبول إيران تفكيك مكونات برنامجها، لذلك يحاول من وراء تصعيد لهجته العدائية تسريع خطوات تنفيذ الاتفاق، أملا في الحصول على كل أموال بلاده المجمدة، قبل بدء انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل.
حرب المصطلحات يرى المحلل السياسي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مهدي خلجي، أن نتائج الانتخابات الأخيرة في إيران، وفوز أعداد كبيرة من المعتدلين التابعين لروحاني، ربما يكون سببا في زيادة هجوم المرشد على الدول الكبرى، مشيرا إلى أن دوائر متشددة كانت قد صرحت بأن آثار توقيع الاتفاق النووي ستكون مدمرة على المحافظين، وتتسبب مستقبلا في إضعاف وجودهم. وقال: "في خطابه بمدينة مشهد بمناسبة عيد النوروز، كرر خامنئي موقفه المتطرف المناهض للولايات المتحدة، وانتقد ضمنا فريق التفاوض النووي الإيراني لمخالفته بعض الخطوط الحمراء التي وضعت له، وانصياعه لضغوط الولاياتالمتحدة. كما انتقد الرئيس حسن روحاني بصورة مباشرة، لأنه أخذ يشير إلى الانتخابات الأخيرة في إيران باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة 2". ووصف خامنئي مثل هذه اللغة بأنها مؤامرة أميركية لإدخال فكرة التغيير السياسي في أذهان النخبة الإيرانية، وبالتالي، في عقول المواطنين بشكل عام. وكان الموضوع الرئيس في الخطاب هو الكيفية التي تحاول عبرها واشنطن فرض إرادتها على الإيرانيين من خلال الإشارة إلى أن إيران يجب أن تختار بين طريقين هما: قبول ما تريده واشنطن، أو تحمّل المشاكل والضغوط المستمرة.
انتقاد أداء الخارجية مضى خامنئي في لهجته العدائية، متوعدا ب"عدم الرضوخ لإملاءات قوى الاستكبار"، مؤكدا أن التوصل إلى حل وسط مع واشنطن ليس مثل المساومة مع أي حكومة أخرى، فهو يعني بالضرورة الإذعان لإملاءاتها، وهذه هي طبيعة أي اتفاق مع الولاياتالمتحدة. وأشار إلى الاتفاق النووي، قائلا: "على الرغم من أننا أيدنا خطة العمل المشتركة الشاملة وأعلنّا بأننا نعترف بفريق التفاوض الإيراني ونقدره، إلا أن وزير خارجيتنا الفاضل قال لي في الكثير من الحالات بأننا في هذه المرحلة، لم نستطع أن نقاوم، ولم نتمكن من ترقّب هذا الخط الأحمر. وعندما يكون الطرف الآخر هو الولاياتالمتحدة، فإن التوصل إلى حل وسط يعني التخلي عن بعض الأمور التي يصر المرء على التمسك بها". ويشير خامنئي في خطابه إلى أن الاتفاق النووي ليس كافيا في حد ذاته، ويجب على إيران أن تتخطى خطوطها الحمراء، وتغير سياستها بشأن الكثير من المسائل الأخرى، حتى تحصل على حقها من المفاوض الأميركي. التهديد بسلاح العقوبات وجه المرشد اتهامات للولايات المتحدة بعدم تنفيذ ما عليها من التزامات في الاتفاق النووي، وقال: "إن الولاياتالمتحدة امتنعت عمدا عن تقديم ما وعدت به، والمسؤولية هنا يتحملها فريق التفاوض الذي عيّنه روحاني، لأن واشنطن منعت إيران من تحقيق أهدافها، تجارتنا المصرفية، جهودنا لإعادة ثروتنا من مصارفها، وأنواع مختلفة من الأعمال التي تتطلب خدمات مالية، هذه الأمور بأجمعها لا تزال تواجه مشاكل، وعندما نقوم بالتحقيق في الموضوع، فسيصبح من الواضح أن المصارف تخشى من الولاياتالمتحدة. فقد قال الأميركيون إنهم سيرفعون العقوبات، وفي الواقع تم رفعها على الورق، ومن أخطاء الحكومة أيضا تضخيمها دور العقوبات في دفع الاقتصاد الإيراني نحو أزمة، والمبالغة في الحديث عن أهمية تخفيف العقوبات في انتشال الاقتصاد من الأزمة، فقيل إنه إذا استمرت العقوبات كما هي عليه الآن، سيحدث هذا وذاك، ولم تحدث هذه الأشياء، ولن تحدث أبدا، ونتيجة لذلك، حصل العدو على انطباع بأن العقوبات تضر إيران، وأنه من خلال استخدام العقوبات كأداة، فمن الممكن الضغط على الأمة الإيرانية". إضعاف التيار الإصلاحي وخلص خلجي إلى القول إن خامنئي يشعر بالإخفاق في إدارة الاتفاق النووي بالطريقة التي تحقق من ورائها إيران المزيد من المكاسب، ويريد توجيه رسالة إلى الولاياتالمتحدة بأنه سوف يستهدف الإصلاحيين إذا لم يسارعوا إلى الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، وقال: "تُظهر اتهامات خامنئي الأخيرة نفورا قويا وصريحا على وجه الخصوص لجهود حكومة روحاني بشأن القضايا النووية والاقتصادية، وهو ما يعني على الأرجح أنه لن يعطي بعد الآن رخصة للرئيس لمتابعة أجندة أكثر ميلا للمصالحة في الداخل أو في الخارج، ومثل هذا الصراع المفتوح مع مواقف المرشد الأعلى سيجعل التحضير للانتخابات الرئاسية في يونيو 2017 صعبا جدا بالنسبة لروحاني، وسوف يفسر المتشددون خطاب المرشد كإعطاء ضوء أخضر آخر لتصعيد هجماتهم على الرئيس، لاسيما من خلال تكثيف انتقاداتهم لخطة العمل المشتركة الشاملة، باتهامهم فريق روحاني بالسذاجة أو عدم الكفاءة في تنفيذ اقتصاد المقاومة، وخلق مشاكل شتى للحكومة في مجالات مختلفة من أجل تقليص قاعدة السلطة الاجتماعية التي يتمتع بها روحاني".