علت حدة شكاية المعلمين من مشاغبات الطلاب، وارتفعت وتيرة تذمرهم مما آل إليه حال كثير منهم من حب الفوضى، والانشغال بالمشاجرات، وكثرة اللعب على حساب التفريط في الحرص على طلب العلم، والتمسك بالأخلاق! جلست إلى كثير منهم، واستمعت إليهم، وناقشتهم في كثير من شؤون حياتهم بحثا عن أسباب هذا التغير في سلوكياتهم داخل المدرسة وخارجها، والغالب عليها حب العبث والفوضى في ظل ضعف التعليمات التربوية عن ضبط سلوك الطلاب وتوجيههم. وبالجلوس إليهم أماط النقاش اللثام عن وجه الحقيقة، وأدركت أن من أسباب تلك المخالفات هو إدمان كثير من الطلاب الألعاب الإلكترونية التي تروج للقتل، والعنف! أحسست بخطورة الأمر وأنا أستمع لكلام الطلاب، فما يعرض فيها مخاطر لا يجب السكوت عنها، خاصة أن الأسر لا تعلم بما تحويه هذه الألعاب من تواصل مشبوه، بل وتقصِّر بالتغافل عن أطفالها؛ لترتاح من حركتهم البدنية التي تسهم في زيادة نموهم، وذكائهم. وقد وجدت نفسي مدفوعا للبحث عن تلك الألعاب، وجمع المعلومات عنها؛ لأجد أضعاف ما كنت أتوقع! وسأورد هنا بعض ما قرأته عنها، وإلا فإن المشاهدة تفوق الوصف، وتزيد عليه. - فاللعبة "Grand Theft Auto" لعبة مشهورة، وفيها ينخرط الطفل في وسط إجرامي داخل عالم مستباح فيقتل المارة، ويعتدي على أقسام الشرطة بالسلاح. واللعبة تشجع على العنف بشكل مباشر، وتحظى برواج كبير في عالم الأطفال! - اللعبة "Bully": لعبة تدور أحداثها داخل (المدرسة)، وفيها يتقمص اللاعب شخصية الطالب المتنمر الذي يشوه جدران المدرسة، ويكسر أثاثها، وشيئا فشيئا تجد الطالب وقد صار عضوا في عصبة من المجرمين! - اللعبة "Fallout New Vegas": لعبة تجسد العنف، وحب القتل في أفظع مشاهده، فواحدة بالتفجير، وثانية بالبتر، وثالثة بالقطع، وفيها يتم عرض مشاهد القتل عرضا بطيئا؛ لإبراز تفاصيل لقطة انفجار الدماء، وتناثر الأجساد! - لعبة "Bio shock": لعبة مرعبة تحوي مخلوقات مرعبة، كالفتيات اللاتي يقمن بغرز إبر في أجزاء العمود الفقري؛ ليُخرجنَ منها وجبات من الخلايا الجذعية! هذه بعض الألعاب الإلكترونية الخطرة، وهي ألعاب تُكسب الطفل سلوكيات إجرامية، وأفكارا هدامة، وفراغا دينيا، وإفلاسا أخلاقيا، وكل هذا يستوجب الوقفة الصادقة؛ لحماية عقول أطفالنا وأفكارهم. وقد بدأت الدولة في التعامل مع هذا الخطر من خلال وزارة التعليم، حيث أطلقت الوزارة برنامجا وقائيا هو برنامج (فطن)؛ لتنمية مهارات الطلاب والطالبات، والإسهام في تحصينهم النفسي، ووقايتهم من السلوكيات الخطرة، والأفكار المنحرفة. وأخيرا عُقد مؤتمر اللعب الأول في الشرق الأوسط بتنظيم من جامعة الملك سعود بعنوان "الأطفال بين الألعاب الإلكترونية والتقليدية رؤية تربوية مستقبلية" استجابة للتوجيه السامي الكريم الخاص بضرورة مراقبة ألعاب الأطفال. وقد أجمعت معظم أوراق المؤتمر على أهمية ممارسة الطفل اللعب الطبيعي غير الرقمي. وفيه تقدَّم الدكتور فهد الغفيلي بورقة عمل، كاشفا من خلالها استغلال تنظيم داعش الإرهابي الألعاب الرقمية في تجنيد الأطفال! وما برنامج (فطن)، أو مؤتمر اللعب الأول إلا رسائل تثقيفية توعوية، ولكن تبقى هناك أدوار مهمة للأجهزة الحكومية الرقابية والتنفيذية القادرة على منع هذه الألعاب، وإحكام السيطرة عليها. ويبقى على الأسرة الدور الأهم من خلال مشاركة الطفل اختياراته، وتبصيره بخطر كثير من الألعاب الإلكترونية، وعدم الإفراط في تركه يلعب في غفلة أسرية تامة؛ فيقع الطفل ضحية لها، ونقصر حينها في المحافظة على ثروة وطنية كبرى.