يعتبر باحثان أميركيان أن القيم السياسية والثقافية الفرنسية تلعب للمفارقة دورا رئيسيا فيما وصفاه ب"التطرف الإسلامي"، مما أثار اعتراضا شديدا من قبل سفير فرنسا لدى الولاياتالمتحدة. وكتب وليام ماكنتس وكريستوفر ميسيرول من معهد "بروكينجز" أن الاعتداءات الأخيرة في بروكسل، وتلك التي سبقتها في باريس "تكشف حقيقة مثيرة للقلق وهي أن الخطر الذي يمثله الجهاديون أكبر في فرنساوبلجيكا مما هو في باقي أوروبا". ولفت الباحثان في مقالة بعنوان "الرابط الفرنسي" في مجلة "فورين افيرز" إلى أنه رغم "ما يبدو الأمر غريبا فإن 4 من الدول الخمس التي سجلت أكبر نسبة للتطرف في العالم هي فرنكفونية بينها الاثنتان الأوليان في أوروبا". وكتب السفير الفرنسي في الولاياتالمتحدة جيرار ارو في تغريدة على تويتر "أن هذا النص لا يحمل أي معنى منهجي. إنه إهانة للذكاء من أدب (مارسيل) بروست إلى داعش"؟ مضيفا أن "بلجيكا 45% فرنكفونية وثقافتها السياسية مغايرة جدا لتلك المتبعة في فرنسا". ويقول الكاتبان إنهما درسا الظروف الأصلية للأجانب الذين انتقلوا إلى الفكر الجهادي ليتوصلا إلى هذه النتيجة "المذهلة"، وهي أن العامل الأول ليس كونهم يأتون من بلد ثري أم لا أو من بلد يحظى بمستوى ثقافي أم لا، كما أنه لا يعود أيضا إلى كونهم أغنياء أم لا أو أنه تتوافر لديهم إمكان تصفح الإنترنت بسهولة أم لا، بل العامل الأول هو برأي الكاتبين أنهم يأتون من بلد فرانكفوني أو من بلد تعتبر فيه الفرنسية لغة وطنية. والتفسير الذي يعطيه الباحثان يتلخص في ثلاث كلمات وهي "الثقافة السياسية الفرنسية". علمانية أكثر حدة لفت ماكنتس وميسيرول إلى "أن المقاربة الفرنسية للعلمانية هي أكثر حدة، إن جاز القول، من المقاربة البريطانية. إن فرنساوبلجيكا على سبيل المثال هما البلدان الأوروبيان الوحيدان اللذان حظرا ارتداء الحجاب الكلي (النقاب والبرقع) في المدارس العامة". ويؤكد الباحثان أنهما يستندان إلى أعداد "الجهاديين" في البلدان المعنية. ويقولان "بالنسبة للفرد المسلم تنتج بلجيكا عددا من المقاتلين الأجانب". وماكنتس مؤلف كتاب عن تنظيم داعش، خبير معروف بشؤون العالم الإسلامي لدى مركز سياسات الشرق الأوسط المتخصص في دور الولاياتالمتحدة في هذه المنطقة. كما أن وزارة الخارجية الأميركية تستمع لنصائحه حول التطرف الديني. ويشدد ماكنتس وميسيرول على عامل ثانوي مهم وهو التفاعل بين نسب التمدن والبطالة لدى الشبان. فعندما تتراوح نسبة التمدن بين 60 و80% مع نسبة بطالة لدى الشبان بين 10 و30% يظهر حينها الاندفاع للتطرف. والنتيجة كما يلاحظ الكاتبان هي أن بعض ضواحي باريس ومولنبيك في بلجيكا أو بن قردان في تونس تنتج عددا "كبيرا للغاية" نسبيا من المرشحين للتطرف. وأمام هذا الخليط بين الثقافة السياسية الفرنسية والتمدن والبطالة لدى الشبان توصل الكاتبان إلى خلاصة يشددا فيها على "الظروف". ويعبران عنها بقولهما "نعتقد أنه عندما تكون هناك نسب كبيرة من الشبان بدون عمل فإن بعضهم يرتمي في أحضان الانحراف. وإن كانوا يعيشون في مدن كبرى تتوافر أمامهم فرص أكبر للالتقاء بأناس لديهم عقيدة متطرفة. وعندما تقع هذه المدن في بلدان فرانكفونية تتمسك برؤية حادة بشأن العلمانية، فإن التطرف السني يبدو حينئذ أكثر إغواء".