ماذا لو تخلى كتاب الرأي عن النقد لفترة محدودة واستبدلوا به التركيز على الجوانب المضيئة في ما تطاله كتاباتهم النقدية، وعملوا على إبراز كل ما هو جميل ومضيء وإيجابي، ودفعوا إلى تعزيزه وتشجيعه، والإشادة به وبمن يقف وراءه، وأشاحوا بأقلامهم عن تناول الجوانب السلبية؛ لصالح التركيز على الجوانب الإيجابية، ومن ثم تقييم هذه التجربة بعد مضي الوقت الكافي من تطبيقها، هل لنا أن نتوقع نتائج مختلفة وإيجابية مما لو استمروا في عمليات النقد؟ يقول بعض الخبراء المتخصصين في دراسة السلوك الإنساني وطرائق تعزيز الإيجابية: إن التحفيز والتعزيز لسلوك إيجابي معين والتركيز عليه، مع الإغفال لما يناظره من جوانب سلبية، يعد شمعة مضيئة؛ تكتسب مزيدا من التوهج عند تحفيزها، لتنير المساحات المعتمة، وتمنحها قبسا من ضيائها، يجعل منها مسرحا للنور المكتسب من التعزيز للجانب الإيجابي، فالجوانب السلبية مساحات معتمة؛ يمكن تحوير سلبيتها إلى إيجابية من خلال التعزيز للجانب الإيجابي المناظر لها. والتعزيز الإيجابي في عملية تعديل السلوك هو بمثابة الهيكل العظمي والقوام الصلب الذي تستند إليه سائر الأعضاء. فمنح الثقة للإنسان وإبراز إيجابياته، يحرك لديه الرغبة لحفظها وتنميتها، والظهور المستمر في مظهرها، خصوصا عند اتساع مداها الإعلامي، لتصبح وكأنها سمة ملازمة له، إذ يشتد حرصه على عدم التفريط فيها أو التقليل من مستواها. ومن هنا يستمر النمو المطرد للجانب المعزز، حيث يطغى مع مرور الوقت بإيجابيته على السلبية، مما يزرع الثقة في النفس لترى من السلبية نشازا يجب التخلص منه، والخروج من دائرته. تجارب كتلك التجارب أعطت نتائج إيجابية؛ شجعت على تبنيها، والعمل بمقتضاها في بيئات عملية متعددة، بل إنها أخذت صفة الرسوخ كمبدأ أساسي في بعض المناحي العلمية المتعلقة بدراسة السلوك الإنساني وطرائق توجيهه. وبخلاف التركيز على الإيجابية، والعدول عن تجليتها إلى استكناه السلبية في محيط أي عمل؛ يشيع جوا من الإحباط والتثبيط، خصوصا عندما تكون السلبية طارئة وغير مقصودة، وهذا قد يحد من تقدم المناخ الإيجابي. فكثير من المتذمرين من النقد يرتكزون في تذمرهم على ما تم إغفاله من نجاحاتهم وإنجازاتهم، وتسليط الضوء على الإخفاقات، وكأنها الطابع العام لحصيلة أعمالهم، مما يشعرهم بشيء من الغبن وعدم الإنصاف. قديما شكى الشاعر العربي من المتصيدين لسيئاته المغفلين لحسناته، فخاطبهم متذمرا من صنيعهم: "إنْ يسمعوا ريبةً طارُوا بِها فرحاً منِّي، ومَا سمعُوا منْ صالحٍ دفنُوا"، فمع خوض التجربة وتغيير طرائق المعالجة، قد نرى سلوكا جديدا يحقق شيئا من المأمول. يقول بعص الحكماء: من الحمق أن نعمل بنفس الطريقة وننتظر نتائج مختلفة.