يعاني الكثيرون منا من "النفس اللوامة" أو "الوجدان الأخلاقي"، وهي قوة داخلية في باطن الإنسان تعمل على ضبط الميول والغرائز، وقد يعاني صاحبها كثيراً من الضغوط النفسية، جراء سلوكياته الاجتماعية والدينية غير المتزنة. والسؤال: متى نعبّر عن هذه القوة الداخلية بالايجابية أو السلبية؟، وهل هي عادة صحية أم تحتاج للعلاج والمتابعة، خاصة إذا كانت تتردد باستمرار؟ شخصيتان مختلفتان! تقول "حنين سليمان" موظفة، رغم ما أتمتع به من شخصية قوية، يحسدني عليها من حولي، إلا إنني في نفسي أعاني من "النفس اللوامة"، فتجدني ألوم نفسي كثيراً وباستمرار على المواقف التي مررت بها خلال يومي، حتى أصبت بالأرق واضطرابات في النوم، فتراني أحاسب نفسي على كل صغيرة وكبيرة، أؤيد بعضها وأرفض البعض الآخر، وهكذا يومياً على هذا المنوال، لدرجة أنني أفكر حالياً بزيارة طبيب نفسي، خوفاً من أن أكون ذات شخصية ازدواجية، مشيرة إلى ظهورها أمام نفسها بشخصية، وأمام الناس بشخصية أخرى النفس الإيجابية وتؤكد "سماح علي" معلمة، أن الشخصية اللوامة تمتلك نفساً ايجابية، إن أحسن توجيهها، فهي تهدف لتعديل السلوك وتقويمه، من خلال إعادة النظر فيما تم، عن طريق سماحها للميول والغرائز، بالمقدار الذي لا يتصادم مع المقررات العقلية والعرفية والشرعية، مضيفة أن الشخص يعيد حساباته مع نفسه ومع من حوله، حتى يرتقي بعلاقاته مع الآخرين، وفي ذلك تقويم لمفهوم الذات، وعلى النقيض تماماً، هناك شخصية لوامة على فعل الشر، فتراها تحرض صاحبها على فعل المشاكل واختلاقها. شعور مؤلم وقاس وتقول "مريم العطوي" إن كثرة اللوم ومحاسبة النفس على كل صغيرة وكبيرة، له أثر كبير في طبيعة تصرفاتها بشكل ايجابي، مضيفة أنه أحياناً تكون لي بعض التصرفات الاندفاعية، وردود أفعال غير مرضية لي وللآخرين، لكني سرعان ما أجد نفسي في دائرة اللوم والمحاسبة، فأبدأ بتصحيح الخطأ، أو العزم على عدم ارتكابه مرة أخرى، مشيرة إلى أنها في حال شعورها بالتقصير في حق زوجها أو أبنائها، فإنها تلوم نفسها كثيراً، حتى يكون كل همها التصحيح في أسرع وقت، لأن الشعور بالندم واللوم شعور مؤلم وقاس.الوسطية والواقعية والعدل وتؤكد "أمل الراجح" الأخصائية النفسية، أن مفهوم الذات يتكون من كم هائل من الخبرات والاعتقادات والاتجاهات، التي تتكون لدى الإنسان من خلال مجموعة من الخبرات التي يمر بها، فالذات هو أساس التوافق النفسي للشخص، ولا نغفل أنه يتعلق بالجانب المعرفي من شخصية الفرد، وكذلك الصورة الإدراكية التي يكونها عن ذاته، من خلال تفاعله مع الآخرين، وعادة ما نرجع ملاحظاتنا وإدراكنا للأشياء والمواقف إلى طبيعة تفكيرنا وما تتميز به، مضيفة أنه من الجيد أن نصل إلى الوسطية والواقعية والعدل في إدراكنا وتفسيرنا لأنفسنا والعالم المحيط بنا، ونبتعد عن المبالغة في وضع المعايير والمستويات التي نرتضيها لأنفسنا والآخرين.. نظارة سوداء! وأوضحت أننا في هذا الزمن نفتقر لمفهوم العقل والوسطية وتقييم الذات، حيث يفتقر الكثير من الناس إلى الإحساس بمشاعر الآخرين، وأصبحت المصالح المادية هي التي تسود العلاقات الاجتماعية، بينما نجد أناسا يضخمون الأمور ويركزون على الجوانب السلبية للموقف، ويبتعدون عن أي جانب ايجابي، مما يقودهم إلى العديد من الاضطرابات ومنها الاكتئاب، فالمكتئب يركز على جزء من التفاصيل السلبية، وتصبح هاجس تفكيره، ويتجاهل المواقف ككل، وكأنه وضع نظارة سوداء على عينيه، لا تكشف له عن شيء ايجابي في حياته، ولا تظهر له إلا ما هو معتم وسلبي. الهموم والأمراض وأكدت "أمل الراجح" أنه وبشكل عام، فإن الفكرة التي يكونها الفرد عن نفسه تؤثر على تقييمه لنفسه، فغالباً ما يرتكز تفكير الإنسان المحبط على ذاته، فيرجع جميع أسباب مشاكله على نفسه وفي كافة المواقف، وهو بذلك يغفل أن تكون هناك أسباب خارجية واضحة، حيث لا يعقل أن يكون هو السبب في كل حادثة أو مشكلة تحيط به، لافتة إلى أن الإنسان أدرك قديماً تأثير تلك الأفكار والانفعالات على الحالة الجسمية، حيث تجلب الهموم والأمراض، ولذلك يجب على الإنسان أن يستبصر ذاته بجميع ايجابياتها وسلبياتها، فالشعور بالذات يعتبر من أهم الخبرات النفسية للكائن البشري.