يخطئ من يظن أن التطرف دائما ما يتزامن مع الأديان، فكثير من الأصوليات تكون يسارية أيضا، ومنذ دخول الروس في سورية العربية، ونحن نشاهد بعضا مما يدور في تجمعات ومداخلات وكتابات اليسار العربي، وما يصاحبها من أصوات تهلل وتكبر فرحا واعتزازا بهذا التدخل، وارتفاعا من مستوى العداء اللفظي لكل ما ينتمي إلى ما يسمونه "هم" بالرجعية النفطية، البترودولار، الإمبريالية الغربية، الرأسمالية الاستبدادية، والصهيوأميركي، والصهيوعربي، والبعير، ومن سفسطائيات دعائية تتحدث عن سوءاتهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون، إذ تجدهم على اليسار يمجدون التقدمية الشيوعية، والتحررية الاشتراكية، والبوتينية ومن حالفها، وهنا نتذكر قصة البعير مع الحمار، وتقول إن البعير كان كريما جدا مع الحمار وأعطاه كثيرا من ضروريات حياته بشرط ألا ينهق، وشبع، لكنه يريد أكثر من حاجته التي لا تصلح له، ولأنه حمار، خرج عن طوع القريب بالإكثار من أنكر الأصوات، فوصل صوته للبعيد، وأتاه الغريب لا ملبيا للنداء، فكيف يلبي له وهو الذي لا تهمه مطالبه بقدر تحقيق وجوده من خلال "الوطء على صابره، للحفاظ على مصالحه". طيب، انتقدتم القواعد الإمبريالية الأميركية في الخليج، حسنا، وهل هناك عاقل لا يشكك في خبث الأجنبي مهما تقاطعت المصالح معه؟ وتوافقت الظروف لتبادل المنافع على ما هو عليه من أطماع؟ لكن ماذا تقولون عن القاعدة الأميركية في رميلان السورية؟ هل ستبقى إمبريالية وهي بجانب القاعدة الروسية على الأرض العربية السورية نفسها؟ هل تستطيع يا "مفكر عربي اشتراكي شيوعي تقدمي" أن تنتقد نظام بشار؟ أو تعترف بخضوعك للأجنبي خلال تفسخك عن عروبتك وقضاياها؟ وكل هجومك المستمر على الخليج ما هو إلا نوع من ذر الرماد في عيون أتباعك من الغوغاء. ما هذه الممانعة وأنت المناهض لجميع الأديان كمبدأ ثابت؟، أم تستحسن ثوابتك قيم الجوار القائم بين قاعدة رميلان الأميركية وقاعدة حميميم الروسية على أرض الممانعة التي لا تمانع حتى أمام طلعات الصهاينة المستمرة فوق قصر الأسد! هل هؤلاء هم قادة الفكر العربي المعاصر، وهل هم ما يطلق عليهم النخب العربية؟ وهل هذه هي البضاعة العربية المتوافرة اليوم ولا بدلاء لهم؟ أم أن الصراخ هو صدى صوت العقل الفارغ؟ والعقل الممتلئ لا توجد له حنجرة في الفضاء المحتكر؟، وهل هذا التهافت الفكري المأزوم عربيا هو ما جعل من الجماهير العربية بلا تفكير؟، وعلى كل فرد عربي أن يصطف خلف من يتحدث ويفكر بالنيابة عنه!، ويقرر له ما يجب وما لا يجب في الوقت الذي تثبت الأحداث اليوم أن هؤلاء توابيت لا تفكر، حفظوا بعض نظريات غربية أوروبية وعادوا بها منادين بالحقيقة التي لا يعقبها باطل. وحتى لا نعمم، فإن المفكر العربي السوري الاشتراكي صادق جلال العظم، صدق مع نفسه، وهو الأكثر يسارية، وبرغم كل طروحاته المناهضة للدين وانحيازه التام لسيادة العلم والمادية، إلا أنه لم ينحز للنظام السوري وتحالفه مع آلة القتل الروسية، ووقف أمام الظلم والاستبداد الواقع على الشعب السوري، وباع الطاغوت في سبيل وطنه وشعبه، واتفق أن في مثل هذه الظروف لن تتوحد الصفوف، ولا يتحقق النصر إلا بالقوى المؤمنة التي تستمد قوتها من اعتقادها أن الله ينصر من ينصره، ولا أحد عاقل يرفض الاستفادة من النظريات الغربية والأوربية في أمور الدنيا، لكنها لا تعبد ولا تؤله، حتى لا يكون أصحابها هم وقودها لمزيد من القتل والاستعمار.