يتفق علماء الفسيولوجيا العصبية على أن الدماغ (المخ) هو العضو المسؤول عن التفكير والمشاعر وترجمة الإحساسات التي تصله من سائر أعضاء الجسد. فحسب علمهم، يمثل العقل (التفكير) مجموع النشاط الكهربائي العصبي المنسَّق، والذي يحدث في أي لحظة من الزمن، ويشمل هذا النشاط العديد من أجزاء الدماغ الوظيفية، والخلايا العصبية هي مصدر ذلك النشاط، لأنها تشكل مادة الدماغ الرئيسية. أما العواطف، التي هي عبارة عن نتاج العلاقة بين الفرد والبيئة المحيطة به، فتبنى بالأساس على تقدير الفرد للبيئة المحيطة به، بأنها جاذبة أو منفرة، وبأنها تجعله سعيدا أو خائفا، وعلى الاستجابة الجسدية التي تعقب هذا المؤثر البيئي. أما بالنسبة للإحساس باللمس والألم والحرارة والسمع والنظر ... إلخ، فإن مستقبلاتها توجد في الأذن، والعين، وفي أجزاء الجسم المختلفة، ولكن الدماغ هو المحطة النهائية لرحلة الإشارة العصبية المنبثقة من تلك المستقبلات. ففي الدماغ يتم تحليل وتفسير هذه الإشارات تفسيرا منطقيا، من ناحية المعنى الذي تحمله بداخلها، ومن ناحية الغرض الذي تخدمه. وبما أن وظائف الدماغ تشمل التفكير والمشاعر والأحاسيس، فإن أمراض الدماغ تكون على شكل خلل في الفكر والمشاعر والأحاسيس. وتنقسم أمراض الدماغ إلى نوعين رئيسيين: عضوية ونفسية. وتنقسم الأمراض النفسية بدورها إلى: الاضطرابات العصابية، والاضطرابات الذهانية (العقلية). يعاني مريض الذهان من تشوش في محتوى ومجرى الفكر، فمثلا يعتقد أن هناك من لديه القدرة على قراءة أفكاره، ويعاني من الضلالات، ويعتقد أيضا أن هناك من يدبر له المكائد للنيل منه، ويعاني من هلاوس، كأن يسمع أصواتا أو يرى مخلوقات لا وجود لها. ويعاني المريض من عدم الاستبصار بعلته، فلا يشعر بمرضه، وبالتالي يرفض العلاج. ويعدّ مرض الفصام من أكثر الأمراض الذهانية شيوعا. يمرض الدماغ أيضا بتعاطي المخدرات، فيصاب صاحبه بالوساوس والشكوك والهلاوس، وربما يصبح المتعاطي حتى غير قادر على الشعور بمرضه. كذلك ف"الأنا المريضة" يكون عقل صاحبها مغيَّبا، إذ إن الأفكار المسيِّرة له بطريقة غير شعورية قد تم التماهي والتوحد معها منذ أزمان، بحيث إنها أصبحت المشكِّل الرئيسي لهويته وكينونته. في كل تلك الأحوال نجد أن العقل يخذلنا، وبدلا من أن يكون أداتنا للقيام بواجب الخلافة في الأرض، نجده يعجز حتى عن رؤية العلة التي أصابته. لقد جعل الشارع هذا العقل مناط التكليف، فعفي كل من فقد عقله من القيام بواجباته الدينية، وكان هذا تنبيها إلى أن هناك عللا تطرأ على عقل الإنسان ليس للشيطان دور فيها. بل إن أثر الشيطان على الإنسان الصحيح عقليا لا يكون إلا من خلال ماكينة التفكير، وبالأساس ماكينة التفكير التي مصدرها "أنا" الإنسان، فلا يُتصوَّر أن يوسوس الشيطان لمصاب بمرض التخلف العقلي أن يرتكب جرم السرقة مثلا. فعندما تبدأ ماكينة التفكير بالعمل فإن الشيطان بالحال يصبح جزءا من التروس المكونة لماكينة العقل المفكِّر، فيجري على الفكرة التي انطلقت تعديلاته: بالتضخيم، والنفخ، والإضافة، والحذف، وإعادة التدوير ...إلخ. ولكنه، أي الشيطان، لا يذهب إلى الادعاء بأنه صاحب الملكة الفكرية، بل يدع الإنسان المخدوع يدَّعي أنه صاحبها. أي قوة وأي ضعف يملكه هذا المخلوق، المدعو: الشيطان؟ إلا أنني، أيها الشيطان، ومنذ هذه اللحظة، أخذت على نفسي عهدا بأن أقوم باكتشاف الأفكار التي قد تماهيت معها وشكلت هويتي وكينونتي، والتي أصبحت تُسيّرني بصورة غير واعية معظم الوقت، لكي أسدّ عليك جميع النوافذ التي تتسلل منها إلى عقلي، أيها الخبيث، وأن أستمر في طلب العون من خالقي، بأن أقول: يا رب، يا من خلقت هذا العقل فِيَّ أداة للخلافة في الأرض وأداة لمعرفتك وإفرادك بالعبادة، يا رب أعوذ بك من هذا الشيطان الخبيث، الجبان.