كفل الدين الإسلامي جميع الحقوق والواجبات التي يقوم بها الإنسان في تعاملاته اليومية، كذلك لم يغفل العقوبات والجزاءات في حالة ارتكابه الخطأ أو القيام بتجاوز الحدود المحرمة كالقتل والسرقة، وغيرها ومع ذلك استثنى المصابين بالأمراض العقلية (المجانين) لأنهم لا يدركون عواقب مايقومون به، وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق). (الرياض) التقت بعدد من الأشخاص الذين تعرضوا لمواقف مع المرضى النفسانيين وكذلك رأي الشرع والطب النفسي. في البداية تقول (حنان الخالدي) وهي موظفة في قطاع عام وقالت: (تجربة أخي مؤلمة فقد كان احد رجال الأمن وكان مشهودا له بحسن الخلق والالتزام بعمله ولكن تحول كل شيء عندما تعرض لحادث وأصابه تلف في بعض خلايا الدماغ وأصبح لايدرك ما يقوم به من تصرفات حيث تجدينه ممسكا بالسكين ويحاول الاعتداء علينا وأحيانا يقوم بجرح نفسه بجروح خطيرة وهو أب لطفل وطفلة هجرته زوجته بعد أن أصبح بهذه الحالة وأصبحتُ المسؤولة عن رعايته ولكن تكلفة العلاج العقلي كبيرة لذلك أرجو من المسؤولين مساعدتنا في علاجه. أما (جواهر ناصر) ربة منزل، فتقول: خرجت مع زوجي للنزهة وفي طريق عودتنا للمنزل قررنا شراء وجبة العشاء وبقيت في السيارة وفجأة وجدت شخصا في الثلاثين من العمر يطرق علي باب السيارة ويتمتم بكلمات غير مفهومة لقد ذهلت من تصرف الرجل ولقد شاهد زوجي المنظر من بعيد وعندما حضر مسرعا ليبعد الرجل اخبره أصحاب المحلات أن الرجل مجنون وهو من سكان الحي وقد طلب من زوجي حلوة وعصير مشيرة إلى ان زوجها ذهب به للمطعم وطلب له عشاء واحضر له ما طلب لقد كان منظراً محزناً حقا. ويشاركنا (محمد بندر) وقال: انتقلت لمنزلي الجديد في شمال الرياض وكان الحي مليئا بالأطفال الذين يمارسون لعب الكرة فترة العصر وكان ابني البالغ من العمر ثماني سنوات يلعب مع الأطفال، وذهبت للتموينات التي بالقرب من منزلنا لشراء بعض الأغراض وفي طريق عودتي وجدت ابني مع ابن الجيران وقد امسك بهم شخص في نهاية العشرين من العمر ويقوم بخنقهم وعندما رأيت ذلك المنظر المفجع عندها قمت برمي الأغراض واتجهت مسرعا نحو الرجل ودفعته عندها اخذ ينظر ويصفق ويردد لقد فزت عطني ريال عندها أدركت أن الرجل غير طبيعي ولقد اخبرني الأطفال المتواجدون انه مجنون حقيقة لقد كاد أن يقتل ابني. ويقول الشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي ان عدم إدراك المريض النفسي لما قام به من جرم فان الأمر ينبني على ثبوت إدراكه لما يقوم به أو عدم الإدراك ومرجعه لنظر القاضي. وعن إذا قام الشخص بارتكاب جريمة ثم ادعى الجنون أو المرض النفسي واحضر معه تقارير طبية أجاب فضيلته بان التقارير إذا كانت من متخصصين موثوقين فلا محل للتحايل مؤكداً على أن المجنون لا يؤاخذ بما يفعله إلا بما يجني على الغير فيعتبر من الخطأ ويؤخذ من ماله الارش أو الدية موضحاً انه طوال فترة عمله كقاض لم يقابل مريضا نفسيا. وعن رأي الطب النفسي يشاركنا الدكتور (سعيد كدسة) استشاري الطب النفسي بمستشفى القوات المسلحة بالرياض وقال: هناك كثير من الأمراض العقلية والتي تسمى بأمراض ذهانية والتي تتسم بضعف الترابط في التفكير ووجود الهلاوس بأنواعها وخاصة الهلاوس السمعية فتكون على هيئة سماع أصوات ولا يسمعها إلا المريض، وقد توحي له أحياناً بأن هناك من يقصد إيذاءه، كما أنه يعيش بعض الأوهام والضلالات بأن هناك من يحاول الاعتداء عليه ويكون متأكدا تماماً أنه مستهدف من قبل شخص معين، مما يجعل المريض في حالة دفاع عن النفس وكلما زادت هذه الأعراض زادت الشكوك لدية بأنه في وضع خطير وعليه حماية نفسه، وفي مثل هذه الحالات قد يبدأ المريض بالهجوم والعنف من دون سبب واضح، لذلك تكمن الخطورة في حالات الأمراض الذهنية في عدم استبصارهم بمرضهم أي أنهم لا يدركون أنهم مصابون بأي مرض نفسي بل قد يهاجمون من يفاتحهم من أقاربهم أو المحيطون بهم إذا ما أخبرهم أنه بحاجة للعلاج.وأضاف: يوجد مقاييس كثيرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وقد تتطلب وقتاً كافياً لتحديد قواه العقلية ومدى مسؤوليته عن جرمه، فمثلاً يكون متعاطي المخدرات مسؤولا عن جريمته مهما كان وصف حالته النفسية وقت حدوث الجريمة لأنه هو الذي أقدم على تعاطي المخدر مما أدى إلى حدوث هلاوس سمعية أو ضلالات خاطئة نشأ عنها ارتكابه الجريمة، بينما يُنظر في حالات من يعانون من الفصام العقلي بتقييم أشمل لمدى مسؤوليته عن الجرم.وأشار إلى ان الأمراض الذهانية تحتاج إلى أدوية مضادات الذهان، وتستخدم لفترات طويلة وفي أغلب الأحيان تكون مدى الحياة ويكون تأثيرها المباشر هو تخفيف الأعراض الذهانية كالضلالات والهلاوس وأيضاً تعديل طريقة التفكير وتحسين الإدراك الحسي داعياً إلى عدم اغفال الطرق الأخرى للعلاج مثل العلاج السلوكي والعلاج الاجتماعي والعلاج النفسي والعلاج الأسري والعلاج المهني.