"الفوضى الخلاقة" تعبير سياسي عن الفوضى الموجهة التي بدؤوا بها خلق واقع جديد في مصلحة مطلقها والمخطط لها، وأمثلتها كثيرة، منها ما فعلته أميركا في العراق، وما يحاك من مؤامرات في ليبيا وسورية ومصر، لإحداث فوضى عارمة تخلق واقعا جديدا لمصلحة القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية. في مصر، لدينا فوضى من نوع آخر، فوضى إعلامية لم يكن لها مثيل من قبل، يقف وراءها رجال أعمال يريدون خلق واقع جديد، ويستعينون في تحقيق هذه الفوضى بعناصر صحفية لم تتعلم شيئا عن الإعلام، وتخلط بين الشتائم والسباب من ناحية، والنقد والاختلاف في الرأي من ناحية أخرى. فنجد مذيعا من المخبرين يشتم الناس بألفاظ بذيئة وهو يحاور ضيفا، مما يعكس واقعا إعلاميا فاشلا لدرجة غير متوقعة، وهذا ليس الفشل الوحيد، ولكن هناك جهل بالسياسة يتسم به الإعلاميون الذين يديرون حوارات وبرامج سياسية كبيرة تتمتع بنسبة مشاهدة مرتفعة. مؤامرة واضحة ومكشوفة وممولة من جهلاء ولصوص، استعانوا بجهلاء وحمقى لتنفيذ مخطط أحمق فخسر الجميع، أنفقوا أموالا طائلة وأنشؤوا قنوات فضائية جديدة وبرامج جديدة. وصحفيون تحولوا بقدرة قادر إلى إعلاميين ومقدمي برامج تلفزيونية. ولكن، إذا نظرنا إلى هذه الفوضى وحللناها فسنجد أنها فوضى غير خلاقة، ولم تخلق شيئا، إذ تحولت هذه البرامج إلى برامج كوميدية. فعلا، لقد تحول الجمهور الذي يشاهد هذه البرامج الساذجة من استقبالها بجدية إلى سخريته منها ومن مقدميها، ويشاهدها كي يضحك من مذيع يقول: "أنا مفجر ثورة 30 يونيو"، وآخر يقول: "أنا حبيب الشعب والشعب هو اللي حاميني". كوميديا سوداء، وشر البلية ما يضحك. ولم تحدث هذه القوى ما كان يحلم به مخططوها وداعموها، إذ إن هذه البرامج المصنوعة لو أرادت أن تحيي شيئا مات في عين المشاهدين، أو أرادت اغتيال شخص أصبح بطلا في عيون الناس، فالناس تعرف وتشعر وتحس، ولديها القدرة على الفرز والاختيار ومعرفة الحق الذي له نور لا يستطيع أحد أن يطفئه.