الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد : فإن الحق والباطل في صراع دائم منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة ، حتى أظهر الله الإسلام على أيدي رجال أبطال يقودهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فانتشر الإسلام ، وحلَّ السلام في كل مكان ، إلى أن دخل محمد الفاتح القسطنطينية فاتحاً منتصراً ، عندها أيقن النصارى أن الحروب المباشرة مع المسلمين لا تزيدهم إلا قوة وعنفواناً ، فبدأو بتغيير أساليبهم وتنويعها ابتداءً من الاستشراق وصولاً إلى الفوضى الخلاقة لفرض ما يسمى النظام العالمي الجديد . * فما هي الفوضى الخلاقة ؟ الفوضى الخلاقة نظرية ضمن منظومة نظريات تسمى " الفكر المنظومي " وهي فوضى ظاهرية تقودها أيادٍ خفية بتنظيم دقيق ، وتعرف الفوضى الخلاقة بأنها ( حالة سياسية ، يتوقع أن تكون مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الأحداث ) ، وتعتمد فكرة الفوضى الخلاقة على الهدم السريع ثم البناء الموجه بحيث يتم بناء نظام عالمي جديد تقوده الولاياتالمتحدة ، حسب الثقافة الأمريكية . بمعنى أن تقوم الشعوب بنفسها بالثورات والعصيان المدني دون تدخل خارجي مباشر حتى لا يتكبد الغرب أي خسارة مادية كانت ، أو بشرية ، فإذا نجحت الثورة وسقطت الحكومة ، يترك الشعب في حالة فوضى عارمة حتى يصل إلى حافة الانهيار ، بعدها يأتي التدخل الغربي في إعادة البناء الخلاق الذي يصب في مصلحة الغرب عامة وأمريكا خاصة ، إذا هي حالة انتقالية مؤقتة لحالة مثالية دائمة ، هكذا يقولون ، ويمكرون ، والله خير الماكرين . * متى نشأت الفوضى الخلاقة ؟ نشأت فكرة الفوضى الخلاقة عام 2003م انطلاقاً من معهد أمريكا أنتر برايز ، بحيث يرتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لكل دول منطقة الشرق الأوسط ، يقوم على أساس الهدم السريع ثم البناء الموجه ، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، اقتنع الساسة الأمريكيون بهذه النظرية ، وقد صرح البروفيسور توماس بارنيت وهو أحد المحاضرين في وزارة الدفاع الأمريكية بأن العلاقات الدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط لم تعد مجدية، وذهبت كونداليزاريس إلى أبعد من ذلك عندما قالت : إن أمريكا سعت إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الوسط على حساب الديمقراطية ولم تحقق أياً منهما ، والآن أمريكا تتبنى نهجاً مختلفاً ، إن هناك من يقول إن الديمقراطية تقود إلى الفوضى ، والصراع ، والإرهاب ، والحقيقة أن العكس هو الصحيح ، بمعنى أن الفوضى تمثل الأساس المنهجي لخلق الديمقراطية الأمريكية المنشودة ، وقالت بولين نيفيل جونز وزيرة الأمن البريطاني عن الثورات العربية : إنها تمثل فرصة كبيرة لجهود الغرب في مكافحة الإرهاب ، وصرح نتنياهو رئيس العدو الصهيوني أنه يتمنى ازدهار الحرية والديمقراطية في العالم العربي ، وأضاف لا نريد أن نرى ديكتاتوريات تدوس حقوق الإنسان ، وتكبح الإصلاحات الديمقراطية ، وتشكل تهديداً للسلام ويقول أوباما : الذي يحصل في الشرق الأوسط يمثل تحدياً وفرصة . إذاً يتبين لنا أن الفوضى الخلاقة نشأت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أيدي الباحثين والساسة الأمريكيين ، لإيجاد حكومات شابة تحقق لهم ما يريدون حسب زعمهم . * وسائل وآليات التنفيذ : الفوضى الخلاقة لا تعتمد على شخصيات جذابة مؤثرة في الجماهير ، بل تعتمد على وسائل تقنية حديثة ، استطاع الغرب أن يجند هذه الوسائل ويسهل استخدامها لكافة الجماهير حتى تكون هي الأدوات الفعالة لترتيب ، وتنظيم المظاهرات ، ونشر الأخبار بسرعة هائلة تكون في متناول الجميع لإثارة الفوضى وإسقاط الحكومات ، ومن هذه الوسائل : * القنوات الفضائية : لقد ساهمت العديد من القنوات الفضائية بالتأثير على الشعوب ، وتهيئتهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، عبر الوسائل المتاحة ، وغير المتاحة ، فمثلاً : قناة الجزيرة : استطاعت بشكل مباشر وفعال بطرحها الجريء تحريك الجماهير العربية نحو المطالبة بحقوقها المشروعة بكل مهنية ، واحترافية ، واستطاعت تفعيل علم التحكم بالجماهير عبر برامج عدة ، مستخدمة أساليب الإقناع ، والتأثير على الجماهير بصور مختلفة ، وقد أثنى الأميرال الأمريكي مؤخراً على دور قناة الجزيرة التي خصصت مساحة واسعة لتغطية التظاهرات في العالم العربي ، وكان لها دور كبير بصرف عداء الشعوب العربية الخارجي الموجه لليهود والنصارى إلى العداء الداخلي الموجه للحكومات . قنوات رديفة : ساهمت العديد من القنوات الناطقة باللغة العربية بنشر الثقافة الغربية ونموذج الأسرة الغربية والعلاقات الإباحية بين الجنسين ، بالإضافة إلى إقناع الجماهير بالهيمنة الأمريكية عبر أفلام ، وبرامج ، ونوافذ على أنماط الحياة الغربية ، لإشاعة الثقافة الغربية الإباحية بين أوساط الشعوب المسلمة . الشبكة العنكبوتية : أطلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2006م مواقع خاصة عبر الشبكة العنكبوتية تخدم نظرية الفوضى الخلاقة ، وتم تهيئة الشباب وتدريبهم على هذه المواقع ، وكيفية استخدامها بشكل سريع وفعال، وأهم هذه المواقع الفيس بوك ، والتويتر ، إضافة إلى البلاك بيري ، وذلك لتنظيم الحملات ، وتنظيم وتوجيه الحشود بسرعة هائلة ، دون ظهور الموجه الحقيقي لهذه الجماهير ، وباستطاعة المعارضين إرسال 100 مليون رسالة يومياً عبر هذه المواقع بمساندة ومساعدة بعض المؤسسات الغربية، لتصل لكافة الفئات المقصودة . * لماذا الفوضى ؟ !! الواضح أن أمريكا تريد فرض النظام العالمي الجديد بأسرع وقت ممكن في دول المنطقة ، حتى تدخل في منظومة النظام العالمي الجديد ، عبر حكومات شابة ، لديها الاستعداد الكامل لتنفيذ متطلبات الديمقراطية، وكل من يخالف هذه المتطلبات يعد خارجاً عن القانون ، وقد ينقدح سؤال مهم جداً وهو كيف يتخلى الغرب عن حلفاء استراتيجيين مثل حسني مبارك ؟ الذي قدم كل شيء للغرب ، والإجابة في ظني أن أمريكا أرادت أن يكون حليفها القادم هو الشعوب وليس الأفراد ، ولا مانع من التضحية بالفرد على حساب الشعب ، فالشعب إذا حقق مكاسب على الأرض وشعر بالحرية والتخلص من الظلم والقهر ، سيسعى جاهداً أن يحافظ على هذه المكاسب بقدر ما يستطيع ، ولن يغامر الشعب أو يتهور ليخسر هذه المكاسب التي حققها ، وبذلك تصبح اللعبة مكشوفة للجميع ، فلا يوجد عميل ، ولا يوجد خيانة ، فالعملية تقاطع مصالح على مراد أمريكا ، هكذا يتصورون ، وهكذا يخططون !! وهنا يأتي السؤال المهم ، ما الواجب علينا نحن المسلمين تجاه هذه النظرية الفوضوية ؟! تعالوا معي أيها الأحبة إلى الانضباط الخلاق . * الانضباط الخلاق : هو الصخرة الذي تتحطم عليه كل أنواع الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة ، الانضباط الخلاق هو الذي يكشف زيف الديمقراطية ، ويظهر وجهها القبيح على الحقيقة ، فليس وراء هذه الديمقراطية إلا التبعية ، والإذلال ، والدبابة ، والمدفع ، والقنابل الفسفورية المليئة بالأحقاد على المسلمين والحضارة الإسلامية. الانضباط الخلاق هو الذي يدعو الناس كافة ليكونوا على مراد الله وليس على مراد أمريكا ، فالدين الإسلامي علم أتباعه الانضباط في كل شيء حتى في حالة الحرب ، قال تعالى : ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ( فالمقصود هنا التنظيم والانضباط ، كذلك في العبادة ، فالصلوات الخمس لا تقبل إلا في أوقات محددة بانضباطية تامة ، أما في حالة الأحداث الطارئة ؛ فإن المؤمنين يتبعون فتاوى علمائهم الربانيين ويلتزمون بها ، فانضباط المؤمنين بفتاوى العلماء ، أعطى درساً للغرب أن هذه الأمة ، ليست فوضوية كما يتوقعون، ولن تؤتى يوماً من الأيام من الفوضى بإذن الله ، والانضباط لا يعني الخوف أو التخاذل عن الإصلاح ، بل هو الإقدام بكل معانيه ، فالعدل ، والإصلاح ، مطلب عام يشترك فيه المسلم وغير المسلم ، المتدين وغير المتدين ، الغني والفقير ، وكل أطياف المجتمع يريدون إقامة العدل ، والإصلاح المستمر، فإذا كانت الدولة العادلة الكافرة يأمن فيها المرء على نفسه وماله ، فكيف إذا كانت الدولة مسلمة وعادلة ، لا شك أن هذا هو المطلب الذي يريده الجميع ، ليتحقق الأمن ، والأمان في ظل دولة الإسلام . إذاً الواجب علينا ، الالتفاف حول العلماء الربانيين ، والحرص على اجتماع الكلمة ، وعدم الفرقة ، فالأمة بحاجة إلى الاجتماع ؛ لأن الأعداء أتوا بقضهم وقضيضهم ، يريدون منا أن نتبع ملتهم ، والله غالب على أمره ، ومنجز وعده بنصر هذا الدين ، ولو كره الكافرون .