من بعض ما وقفت عليه لشاب عرف عنه "خفة الظل" كان قد توقف بجوار عامل النظافة -من باب الفضول- ليلتقط معه صورة "سيلفي" لعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لتدر عليه شيئا من الشهرة، أو تساعده على إبراز شخصيته البسيطة، ولكن الغرض منها لمسايرة من أوجعوا رؤوسنا ورؤوس عمال النظافة بهوس "سيلفي" والتقاط الصور مع البسطاء والابتسامة الباهتة تعلو محياهم، وتنتهي علاقتهم بهؤلاء البسطاء بمجرد ومضة فلاش. ولسوء حظ صاحبنا أن عامل النظافة "الغلبان" يعرف عن الشاب بأنه من العاطلين عن العمل ويؤمن بأن وقته أثمن من أن يضيع في السخافات والطيش، أو مع من يزاحمه من شباب الحارة على نافذة "البوفيه" للحصول على"ساندوتش" فهز العامل رأسه وفاجأه بكلمات لا تزال عالقة بالذهن وتجعلنا نضرب كفا بكف على سفاهة العقول، حيث بادره بسؤال: "أيش فائدة سيلفي؟! كل يوم نفر مدير كبير يوقف سيارة فخم يسوي صورة في حضن بعدين سوي ابتسامة جميل قدام كاميرا خلص تصوير يرجع وجه زي أول طبيعي بعدين يمشي ما في كلام شكر، هو إيش فكر ما في معلوم أنا ما في مشاعر أنا لازم روه شرطة سوي شكوى"! يفهم من كلام العامل البسيط بأنه وصل إلى قناعة تامة بأن جحافل "سيلفي" لا يهتمون لمشاكل العمال الخاصة وظروف عملهم بل يركضون وراء المظاهر، ويتعطشون إليها تعطشا شديدا بغرض الشهرة، أو طلب المديح وتتفاوت في ذلك المقاصد، ولها وجوه متعددة وهي عدوى كعدوى الجرب، حتى وإن اجتهدنا في تحسين النوايا إلا أنها أصبحت مصدر سخرية للإنسان والمهنة معا، ليس لأن قلوبهم تشبعت بالتواضع والتراحم، أو الحرص على نشر العلاقات الطيبة، أو تجفيف ما يقطر في قلوب عمال النظافة من دموع الغربة، بل هم بفعلهم أبعد ما يكونون عن العمل الإنساني، وليتهم يعلمون أن "سيلفي" لم يعد يستهوي العقلاء فجميعنا يعلم الوجه الآخر لما بعد "الفلاشات". ولأن الظاهرة تحولت إلى مرض "الهوس"، كما يشير إلى ذلك بعض علماء النفس بقوله: "التقاط السيلفي بحد ذاته ليس إدمانا، بل هو من أعراض الاضطراب الذي ينطوي عليه الهوس". ولقد وصل بهم خطورة المرض إلى التقاط صورة لعامل نظافة يؤدي الصلاة إلى جوار بعض الشخصيات الكبيرة وكأن الموقف نادر الحدوث، بقي أن أسأل: ألا يمكن أن يندرج فعلهم هذا تحت نظام الجرائم المعلوماتية فيما لو طالب عامل النظافة بحقه الشخصي من ملتقطي ال"سيلفي"؟!