الدماء التي تغطي شاشات التلفزة. أخبار العواصف والجوع والأوبئة والكوارث وأزمات الاقتصاد العالمي. أيوجد غير هذا تبثه القنوات والصحف والإذاعات، أم إنه لا جديد تحت الشمس كما يقال؟. بل مما زاد الطين بلة، وسائل التواصل الاجتماعي التي أغرقت المجتمع تحت الطوفان. طوفان السلبية العظيم، وفي ظني أن هذا الكلام بدهي ولا يحتاج إلى دراسات علمية تنفي أو تثبت ذلك. كمية السواد والقبح التي تحيط الفضاء السايبري في حاجة إلى جراحة "تجميل" مستعجلة. الجزء الأول من الجراحة يتعلق بالاستخدام الهادف لهذه التقنية. الجزء الآخر، أن نتوقف –فورا- عن إعادة تدوير السلبية من فرد إلى آخر. لا سيما أن هذه الأجهزة تتبارى على شيء واحد خطر "سرقة الإنسان من نفسه"، كما يقول مصطفى محمود. شد عينيه وأعصابه وأحشاءه ليجلس متسمرا كالمشدوه أمام التلفزيون أو الراديو أو السينما أو الجوال، وتخدرت أعصابه تماما، كأنه أخذ بنجا كُليا. أصبحنا بفضل هذه الأجهزة الموسومة بالذكية نعيش كالعناكب، مفضلين الوحدة والانطواء على الاجتماع والمشاركة، وهذا ما ينتج عنه اعتلالات نفسية "الاكتئاب مثلا"، تغلف بالسواد سماء الروح. الروح في هذا العصر تفتقد الأمان والهدوء والسكينة والطمأنينة، في حين أنها تواجه جيشا عرمرما من المسليات والملهيات والمغريات التي لا طائل منها ولا نفع. سرق التطور ودعوى الاطلاع ومواكبة الجديد منا الروح تدريجيا، فلم تعد الروح تلك الروح المطمئنة الآمنة في سربها، ولم نعد نسأل حتى أنفسنا: لماذا نقف مكتوفي الأيدي إزاء ما تفعله التقنية بنا؟ ثم إلى متى ستظل الأرواح محبوسة في شرنقة الفضاء السايبري؟ قبل هذا وذاك، لماذا نثقل كاهل الروح بالغث دون السمين، وندّعي أننا نقتل الوقت ناسين أو متناسين أن الإنسان يعيش مرة واحدة. يقول مصطفى محمود في كتابه الشيطان يحكم: "تحت شعار قتل الوقت يقتل الإنسان، ويراق دم اللحظات ويسفك العمر، فما العمر إلا وقت محدود، وما الإنسان إلا فسحة زمنية عابرة إذا قتلت لم يبق من الإنسان شيء".