رحل الأمير سعود الفيصل وفي ذاكرة كل إعلامي وصحفي موقف لا ينسى، تختلف بين مواقف عابرة وأخرى تعكس مدى قوة هذا الإنسان وعزيمته، رغم المرض الذي ألم به. إحدى الإعلاميات وثقت في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع في مؤتمر ضم الفيصل بوزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد عودته من آخر رحلة علاجية في الخارج، مازح فيه الفيصل الصحفيين قبل جلوسه على كرسي المؤتمر الصحفي، وهو يتكئ على عكاز بقوله: "من يريد السباق، وهل من منازل؟". بهذه العبارات بدأ الراحل مؤتمره الصحفي، وهو يعاني آلام المرض وفي بداية فترة النقاهة، إذ لم يمنعه مرضه من مواصلة عطائه فارسا للسياسة الخارجية السعودية حتى أخر يوم في منصبه وزير للخارجية، فكان قويا حتى في عز مرضه. الأمير سعود الفيصل، رجل سياسة من طراز فريد ونادر، إذ يعد أقدم وزير خارجية في العالم، وهو من يعدّ الوقت أثمن شيء في العالم، ويرى أن كل دقيقة هي ثمن لشيء، ومن المفارقات الغريبة أن ترى له صورة شخصية في غير مضمار عمله، فهو يعتقد أن الوقت الذي يأخذ به صورة ضمن حياته الشخصية هي مضيعة للوقت. يقول الوفد المرافق له حينما يركب طائرته المحلقة شبه يوميا في السماء المستغرقة تقديريا 14 ساعة، فهو لا ينام منها سوى ساعتين إن حدث ونام، كما أنه يقضي وقته في الطائرة بقراءة ملف سياسي، أو قضية مدرجة ضمن جدوله، عُرف عن الفيصل سفره الدائم حتى إن مكتبه بالوزارة تمر عليه شهور دون أن يزوره. يقول: ليس لديه وقت كاف ليقضيه خلف مكتبه، بل هو من أول الوزراء في العالم الذي يعدّ أن جلوسه على كرسي الوزارة ربما يضيع وقتا ثمينا من تنفيذ عمله. يقول أحد الصحفيين وهو مذهول بأنه شاهد سيارة سعود الفيصل تمر بسرعة عالية، متجها إلى المطار دون الحرس الشخصي، ويقول آخر من الصحفيين إنه كان أكثر ذهولا عندما شاهده ذات مرة يتناول غذاءه في إحدى فنادق محافظة جدة مع حراسه الشخصيين. حينما يذهب بسيارته فلا حيلة لأهله سوى الدعاء له بالوصول سالما، فإنه يأمر سائقه بالقيادة بسرعة عالية، يعدّ أن الوقت ربما يضيع في هذه الثواني، حتى إن الوفد والحراس المرافقين يستغرقون وقتا ليس بالقليل حتى يلحقون بسيارته الخاصة. من الهوايات المحببة له حل الكلمات المتقاطعة التي يشتري أفضل كتبها عند سفره وربما يفسر ذلك ثقافته العالية والواسعة. عندما يكون الحديث عن الفيصل، فإننا نتحدث عن الرجل الأدق والأسرع في العالم، وهو من القلائل جدا الذين لا يجدون وقتا لنومهم، ورغم كل ما يتمتع به من واجهة وحنكة وثراء معرفي إلا انه يمتلك أبسط ما يتمتع به أفقر شخص في العالم. سعود الفيصل المصنف كأذكى رجل خليجي، بل وصنف أنه في عداد أذكى شخصيات العالم دهاء، صاحب ثقافة عالية، فهو يتقن لغات عدة أبرزها الإنجليزية والعبرية والبرتغالية والألمانية والإسبانية. وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول يقول: إن الفيصل يعادل اللوبي اليهودي، بل إنه لوبي سعودي. في إحدى الاجتماعات العالمية للقضية الفلسطينية كان لزاما أن يحضر الأمير سعود الفيصل والخارجية اليهودية، فوافق بشرط أن يوضع له باب ومدخل غير المدخل الذي سيدخل منه الوفد اليهودي، ولم يقم بمصافحة الوفد اليهودي وهم بجانبه، وعندما سئل عن عدم المصافحة قال وبحدة: "لم نأت للتهريج وتضييع الوقت"، لم يكن ذلك فقط كل ما يفعله سعود الفيصل أمام العالم وبشجاعة متناهية، فعلى الرغم من تحدثه اللغة العبرية اليهودية، إلا أنه ذات مرة في اجتماع عالمي قام بخلع السماعة عندما بدأ الوفد اليهودي في الحديث، وحينما سألوه عن ذلك قال: "إنه لا يبدي اهتماما لما يقولون وليس لديه الوقت ليسمع ما يقولون". قال عنه وزير الخارجية البريطانية الأسبق ديفد ميلن إنه "يستطيع الحصول على ما يريد ولا يأبه أن يفقد وجاهته أو صداقته أو علاقته من أجل الوضوح والحق". سعود الفيصل الذي جعل كبارا يتحدثون عنه في العالم قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنار عنه: "إن الأمير سعود الفيصل أكثر الساسة في العالم حنكة ودهاء".