إن كانت شركات السياحة العالمية تتنافس في ضخ إعلانات تجارية براقة تغري السياح بالسفر على متن أساطيلها والتمتع بالخدمات التي تقدمها، فهناك أيضا رحلات سياحية تسوق لها الجماعات الإرهابية للالتحاق بركبها والانخراط في أسرابها المهاجرة إلى الحياة الآخرة. وكل ما يجب على المهاجر فعله ألا يفرط في أحلام يقظة بعروسه من الحور العين، يتخيل معالم خارطة أنوثتها ويداعب تفاصيل نعومتها ليغرق في محيطات من الإثارة ويحلق في أجواء الرومانسية. يرتشف نبيذ خمرتها لتتلاعب برأسه، ليقبل أعوانه الفرحين بليلة زفافه بالالتفاف حوله ومرافقته إلى قاعة الفرحة الكبرى، ملقين عليه نظرات الوداع ممنيين حالهم بالمصير ذاته عاجلا، لأنهم بعدما يستوي صاحبهم على مقعد سيارته المزينة بأسلاك التشريك وأدوات التفخيخ وأسلحة التفجير. ويستقر خلف مقودها يزفونه بأهازيج التكبير والتهليل، باثين روح الحماسة في فكر صاحبهم لمنعه من معاودة التفكير في المصير الذي ينتظره بعد لحظات من انطلاق سيارته نحو الموت المعلوم زمانه ومكانه. يمضي صاحبهم بجنون وعلى عجلة من أمره مدفوعا بشحن نفسي وتعبئة فكرية، عكف منظرو الجماعات الإرهابية ومفكروها على نفث سمها الزعاف في وجدان أتباعهم وحشو عقولهم بمفاهيم خاطئة، وأفكار مغلوطة وتحليلات للواقع مجاوزة للصواب ومغايرة للمنطق. يتلقف شبابنا المغرر بهم تلك القنابل الفكرية الموقوتة يأخذونها كمسلمات غير قابلة للتفكير في مضامينها ولا حتى إعادة النظر في محتواها ولا بشخوص قائليها أو ناقليها، طالما التجارة رابحة والعائد منها حور عين كاملات مكملات في حسنهن فائقات في أنوثتهن لم يطمثهن من قبل إنس ولا جان في ظل حرمان مطبق فرضته جائحة البطالة وغلاء المهور وانعدام كل فرص التواصل مع الجنس الآخر في أرض الواقع مفروض بعادات وتقاليد صيرت الأنثى مخلوقا ملائكيا وصول الشباب إليه يفتح لهم أبوابا إلى جنات النعيم في الحياة الدنيا. استثمر فلاسفة ومنظرو الجماعات الإرهابية تلك الأوضاع المأساوية للشباب في ظل وسائل التواصل الاجتماعي بوفرتها وتنوعها وسهولة وصولها إلى شريحة عريضة من مكونات مجتمعنا السعودي، وهي شريحة الشباب في ظل انعدام المتابعة الأسرية وضعف الرقابة المجتمعية وشح البرامج الرياضية والاجتماعية والثقافية القادرة على ملء فراغ الشباب وإكسابهم اتجاهات إيجابية نحو الاستمتاع بالحياة واستثمار قدراتهم فيما يعود عليهم وعلى وطنهم بالخير والفائدة وجعلهم يشعرون بأنهم منتجون وناجحون في حياتهم اليومية وقادرون على بلوغ غاياتهم وتحقيق أهدافهم الشخصية. إن مصائر أولئك الشباب المتنافسين في مضمار الانتحار بزعم الشهادة والمتسابقين نحو الالتحاق بداعش وغيرها من الجماعات التي تتخذ الإسلام جسرا يتهاوى من خلاله شبابنا في مهاوي الردى يقع علينا جميعا- من أجهزة تعليمية ودينية واجتماعية ورياضية وثقافية وأجهزة توظيف وجامعات عزبت عن استقبالهم واستيعابهم وإعدادهم لسوق العمل وتمكينهم لاحقا من الحصول على وظائف تمكنهم من الحصول على مصدر دخل يمكنهم من تلبية احتياجاتهم الحياتية ومتطلباتهم المستقبلية- مسؤولية انخراطهم في مواكب المنتحرين والمفجرين والمقاتلين في حروب مجهولة. علينا الاضطلاع بمسؤولياتنا المجتمعية تجاههم لوقايتهم ببرامج نمائية ووقائية وعلاجية تسهم في إعادتهم إلى ركب الحياة وانخراطهم في مسيرة البناء والإعمار والازدهار.