ربما تكون الأحرف تأخرت في لملمة نفسها لصياغة ما تعبر فيه عن رحيل علم من أعلام المنطقة الشرقية بل المملكة؛ أديب الدعوة وداعية الأدباء الأستاذ الدكتور محمد بن علي الهرفي، رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة. إن الحديث عن الدكتور محمد لن يستوعب ما يستحقه، رحمه الله، ولكن استجمعت المشاعر قواها واستعنت بذكر فيه شكر لسيرة عطرة لعل فيه ما يشحذ الهمم ويذكي فورة المضي صعودا للقمم، فلقد كان حاملا لجهد الدعوة مذ كان في عمل قد يجده البعض لا يستوجب أن يشارك فيه رجل إداري الدعوة قبل أن يكون أكاديميا إبّان ما كان مديرا عاما لكليات البنات بالدمام، وكان مركز الدعوة والإرشاد بالدمام قد بدأ انطلاقته التجديدية في عام 1403 ووقتها كان للدكتور محمد مشاركة في دعم مسيرة المركز وحث الدعاة الجدد فيه -وكنا ثلاثة دعاة رسميين فقط- وهم معي الشيخ عبدالرحمن الشنفري -حفظه الله- والشيخ أحمد الصايل -رحمه الله- للمشاركة في برامج دعوية في كلية الآداب للبنات واستضافة كبار ضيوف المركز من العلماء والدعاة فيها، كما شارك -رحمه الله- في عدد من الندوات والمحاضرات وحتى أثناء فترة عمله في القطاع الخاص. ثم لما انضم رحمه الله لهيئة التدريس في كلية الشريعة في الأحساء كانت جهوده ومشاركاته الدعوية بشكل أوسع من ذي قبل وهكذا حتى غدا علما مهابا في حواراته ومناقشاته لإحقاق الحق والرد على ذوي الأهواء وتعرية المناهج والأفكار المارقة. لقد كان -رحمه الله- كريما في بذل كل فائدة، سمحا فيما قد يصله من الآخرين من أذى، ولكم منع من أراد أن ينصفه في حق شخصي فلا يزيد على أن يقول لمنعه من ذلك دعنا نحتسب، مع عدم تراخيه في بذل الجهد لرفع ودفع ما يصل إليه من مظلمة وقعت على مستجير به بعد الله. إننا لنشعر في تقصيرنا في حقه ونعتذر منه فلا يزيد على أن يرفه عنا بأدبه الرفيع وإعذاره الكريم، متواصلا مع محبيه وحق التواصل عليهم لكنه خلق الالتزام بما يحمله من سمات الدعاة والأدباء. في مقالة نشرها قبيل رحيله، يتحدث فيها عن هم من هموم وطن أحبّه؛ المملكة المباركة وما يحدث في شرقها من فئة مارقة، وفي نهاية مقاله قال -رحمه الله "كل السعوديين يبحثون عن وحدة وطنهم وتلاحم أبنائه كما يبحثون عن الأمن والهدوء والاستقرار وعليهم جميعا أن يتحدوا لفعل ذلك، وأعتقد أن حكومتهم ستكون سعيدة عندما يتحقق ذلك ولا أشك أنها ستكون الداعمة الأهم له". فاللهم اغفر وارحم عبدك محمد بن علي الهرفي، اللهم اجعل دعوته إليك ودلالته للهدى والعلم المنتفع به صدقة جارية له يا أرحم الراحمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته أجمعين.