في إجماع نادر، قابل كثير من اليمنيين نبأ تعيين الرئيس اليمني لرئيس الوزراء خالد بحاح نائبا له بمزيد من الارتياح، مؤكدين أنه رجل المرحلة الذي يحتاجه اليمن لإخراج البلاد إلى بر الأمان، مشيرين إلى أن عوامل النجاح متوافرة في الرجل الذي لم يبلغ بعد ال50 من عمره، إذ حظي باحترام وتقدير غالبية أطياف المجتمع السياسي اليمني نظير ثباته على رأيه وتمسكه بمواقفه المعلنة، ورفضه المزايدات والمكائد عندما حاول الحوثيون ترهيبه، لكنه بقي أمينا لمبادئه وفيا للقيادة التي جاءت به رئيسا للوزراء، ولم يرض أن يكون مخلب قطّ للجماعة المتمردة التي أرادت منه القيام ب"شرعنة" انقلابها على الشرعية، والعدول عن استقالته التي تقدم بها عقب الانقلاب المشؤوم على الشرعية واجتياح مؤسسات الدولة، ورفض الاستمرار في منصبه رئيسا للوزراء، لقناعته أن مثل هذا التصرف لن يؤدي إلا لتثبيت أقدام الانقلابيين. بحاح الذي رفض كل الإغراءات ولم يرتجف من الترهيب والوعيد، ارتضى أن يكون قيد الإقامة الجبرية في منزله لفترة قاربت الشهرين، امتنع فيها عن الذهاب إلى مبنى الحكومة رئيسا، ووافق على أن يكون رهن منزله حبيسا، لقناعته أن الأوطان لن تبنيها سوى التضحيات، ولن يرتقي بها إلا الثبات على المبادئ. وحدهم المتمردون هم الذين قابلوا نبأ تعيينه بعدم الرضا، في تأكيد جديد على شذوذ مواقفهم، وابتعادهم عن الرأي العام في البلاد. فأقدموا في تصرف عبثي على اقتحام منزله في صنعاء، ونصبوا فوق سطحه أسلحة مضادة للصواريخ، لإغراء طائرات التحالف على قصفه وهدمه، توهما منهم وظنا في غير موقعه أنهم يتمتعون بالذكاء. وقف بحاح بالأمس في مؤتمره الصحفي كما الطود، منافحا عن قيم بلاده الضاربة بجذورها في أعماق الحضارة، والموغلة في القدم والعراقة، مؤكدا في تصميم لا يعرف المهادنة أن لا حوار يمكن أن يتم على وقع دوي البنادق، وأن التفاوض يستلزم تراجع الانقلابيين إلى جحورهم وكهوفهم، وقال "أرفض القبول بأي مبادرة أو المشاركة في أي حوار قبل عودة الشرعية، وتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بشأن اليمن" وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه قيادة التحالف العربي، في مؤشر جديد يوضح التطابق في وجهات النظر، ويؤكد أن الحق أبلج لكل من وهبه الله بصيرة ومنحه عينين. آمال كثيرة يعلقها اليمنيون والمجتمع الدولي على نائب الرئيس الجديد في إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق الحوار، ولا يتصورون إلا أنه قادر على تحقيقها، فاختياره لهذا المنصب الحساس في هذا الظرف الدقيق، لم يأت إلا بعد تدقيق وتمحيص. ولكن لأنه لا يملك عصا موسى فلا بد من تجاوب كل أطياف المشهد السياسي اليمني معه، وأن يضعوا أيديهم في يده، وأن يتناسوا مرارات الماضي، ويتجاوزوا شخوصه الهلامية التي لم تورد بلادهم إلا موارد الهلاك، ولم تجلب لهم سوى الشظف والشقاء، وعلى رأسهم رئيس مخلوع هارب، رفض دعوات الحوار المخلصة كافة، وتصور في لحظات الوهم أن البلاد صارت طوع بنانه، لا يستقيم أمرها إلا بوجوده، أو نجله على كرسي الحكم، فباع تاريخ بلاده بثمن بخس، مليارات نهبها من عرقهم، واكتنزها من بؤسهم، وأصبح طريدا يبحث لنفسه وعائلته عن مخرج آمن، غير مبال بأرواح من غرر بهم من الجنود، استخفهم فأطاعوه، وأمرهم فلبوا أوامره دون بصيرة ولا هدى.