لم تكد تمضي سوى أيام قلائل على التصريح المثير الذي أدلى به وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بحتمية التفاوض في نهاية المطاف مع بشار الأسد، حتى استغل الأخير ذلك التصريح الذي أثار كل دول العالم، ودفع الخارجية الأميركية إلى محاولة تصحيحه وتعديل معانيه مرات عدة، إذ ارتكب النظام مجزرة جديدة عشية الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة السورية، وذلك باستخدام غاز الكلور الذي أصدر مجلس الأمن الدولي أوائل الشهر الجاري قرارا بحظره، وتوعد مستخدمه بعقوبات رادعة، تحت البند السابع. ففي قرية سرمين، بريف إدلب الشرقي، قتل ستة أشخاص، هم أب وأم وأربعة من أطفالهما، وأصيب 57 شخصا بالاختناق إثر إلقاء طائرات النظام للبراميل المتفجرة التي تحوي الغاز السام. وكشفت مصادر إعلامية أن المروحيات أغارت مرتين فجر أمس، ملقية بالبراميل وعبوات تنتشر منها الغازات المحرمة، ما أصاب الكثيرين بحالات اختناق. وأكد الطبيب المعالج في المستشفى الميداني بسرمين أن عدد الإصابات بلغ 75 حالة، وأن المستشفى الميداني يعاني نقص مواد الإسعاف والأكسجين، كما أفاد شهود عيان بأن المدينة سادها الرعب عقب الحادثة، وشهدت نزحا بالمئات نحو الأراضي الزراعية المجاورة، نتيجة الخوف من تكرار الغارات. ولتوثيق الجريمة، التي عدها ناشطون نتيجة لإرتباك واشنطن، نشر فرع منظمة الدفاع المدني السورية بمحافظة إدلب سبعة تسجيلات مصورة على موقع يوتيوب، وأظهر أحد التسجيلات ثلاثة أطفال وامرأة، جميعهم فاقدون للوعي في مركز طبي، كما أثبت أحد التسجيلات أن إحدى الجثث تعود إلى طفل رضيع لم يبلغ من العمر بضعة أشهر". ونقل عن أطباء وسكان في المنطقة أن الوفيات والإصابات "ناجمة عن استنشاق غازات منبعثة من البراميل المتفجرة التي ألقتها قوات النظام على البلدة"، مرجحا أن يكون الغاز المستخدم هو غاز الكلور. وأضاف شهود عيان أن القتلى توفوا اختناقا، بعد جولتين من إلقاء البراميل المتفجرة. وبعد الغارة الثانية، حاول متطوعون من الدفاع المدني حماية المدنيين عبر سكب الماء عليهم. فبدأت تظهر أعراض الاختناق على المصابين". وتعليقا على هذه الجريمة، يقول الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، عبدالباسط سيدا، في تصريحات إلى "الوطن"، "ليس في الأمر جديد، فالنظام المجرم يستغل التخاذل الدولي، ويواصل ارتكاب جرائمه البشعة بحق المدنيين العزل، لقناعته بأنه بعيد عن أيدي العدالة، نسبة لتقاعس المجتمع الدولي، وغض الولاياتالمتحدة طرفها عما يجري في سورية، إضافة إلى الدعم الروسي للنظام، الذي يوفر له ما يشبه التصريح الرسمي بمواصلة أعمال القتل". وأضاف سيدا "المطلوب في الوقت الحالي من مجلس الأمن معاودة الانعقاد، واتخاذ قرار فوري بمعاقبة الأسد، على أن يكون ضمن البند السابع، الذي يجيز له استخدام القوة، وأن يوقف هذه المجازر بحق الشعب الأعزل. هذا إذا أراد المجلس أن يحافظ على هيبته، وأن يؤكد أنه لا يزال مرجعية قانونية تجد الاحترام. أما إذا غض بصره عن هذه الجرائم، كما حدث في مرات سابقة، فإن ذلك سيغري النظام المجرم بالتأكيد إلى إعادة جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية بصورة موسعة، على غرار ما حدث في العام قبل الماضي في الغوطة الشرقية بدمشق".