الخوض في الكتابة عن الجمال أمر بالغ الأهمية، ربما لأن الجمال قيمة عليا يسعى الإنسان إلى تحقيقها، وهو سمة بارزة من سمات الكون ونحن مأمورون بأن ننظر ونتدبر في خلق الله، في السموات والأرض وفي عالم النبات والطيور والجبال والبحار، لإدخال السرور والبهجة إلى النفس. آثرت في هذه العُجالة الوقوف على الساحل قليلا، ليس لاستعراض تاريخ الجمال ولا لتعريف الجمال وهل الجمال ضرورة أم ترف؟، إنما كان القصد من وراء هذه الأسطر التطرق إلى موضوع التربية على الجمال. لماذا؟ بسبب ما نرى من تردي الذوق العام أولا. وثانيا لتصحيح فكرة انسياق الإعلام خلف تصور الجمال مقرونا باللذة والمنفعة فقط. وليس خفيا ما تسعى إليه وسائل الإعلام من تنمية النزعة الاستهلاكية لدى الفرد وإعادة تشكيل القيم. وبالنظر إلى ما ينطوي عليه الجمال من قدرة على توجيه الاستجابة الوجدانية للأفراد، فإن من شأن التحكم فيه أن يُكسِبَ وسائل الاتصال قوة جذب تؤثر على سلوك الفرد وقناعاته وتهيئه للانقياد والتبعية. أهمية التربية الجمالية أن الطفل يولد مزودا بغريزة حب الجمال وحب الاطلاع، فالإنسان بفطرته يحب كل جميل وينجذب إليه، وعلى هذا فإن الغرض من التربية الجمالية هو أن نربي في الطفل حب الجمال، ثم تنشئته على تقدير الجمال والإعجاب به، وأخيرا تعليمه على إصدار الحكم الجمالي وتذوقه. وأدرك الناس منذ عهود طويلة أهمية الجانب الوجداني الجمالي حتى إن الحكمة الصينية تقول: إذا كان معك رغيفان من الخبز فبع أحدهما واشتر به باقة من زهر، ومعنى ذلك أن الاستمتاع بجمال الطبيعة يسد حاجة نفسية عند الإنسان لا تقل أهمية عن الرغيف الذي يسد حاجة الجسد. جانب آخر، حينما يعتاد الطفل رؤية الجمال والإحساس به صغيرا، فإنه سيلفظ القبح ويستهجنه، بل وسيثور عليه ويحاول أن يستبدله بكل ما هو جميل. فالجمال ليس فضلة في حياة الإنسان إنما هو شيء أساس ومظهر حضارة الإنسان ورقيه، ومظهر من مظاهر تقدم المجتمع "والله جميل يحب الجمال"، ولن يتم الوصول إلى الجمال القدسي إلا إذا بدئ بهذا الجمال الأرضي الذي يسمو بالأرواح والقلوب. ومن دواعي أهمية التربية على الجمال أن الجمال من القيم الثلاث الخالدة، ويعمل على تنظيم علاقة الفرد بنفسه عندما يوحي له بضرورة التعامل العاقل الملهم مع كل مشاهد الكون والحياة. واجتماعيا، فإن التربية الجمالية تعمل على تكوين علاقة الفرد بالمجتمع على أساس التضامن والتعاون والتعاضد بين أفراده، والتربية على الجمال هي محاولة لبناء علاقة الفرد بالكون على أساس التجاوب، لأن الجمال يشد الإنسان إلى الحياة والقبح ينفره منها.