كان الشيخ الشعراوي، رحمه الله، إضافة إلى غزارة علمه، يتمتع بروح الفكاهة، ومما يروى عن ذلك أنه حين كان وزيرا للأوقاف تمت دعوته بصفة رسمية من قبل الرئيس السادات إلى حفل عشاء، على شرف الرئيس الروماني تشاوشيسكو الذي كان صديقا حميما للسادات، وكان الحفل تتخلله بعض الفقرات الفنية، وعندما حان دور الراقصة الشهيرة نجوى فؤاد شعر الشيخ بالحرج فأدار ظهره لها فانتبه السادات لذلك وأمر أحد معاونيه بأن ينبه الشيخ إلى أن يعتدل في جلسته، فلما بلغه بذلك قال له الشيخ رافعا صوته وباللهجة الفلاحية: "الله هوا أنا اللي بقا اعتدل"! لا أدري لماذا أتذكر هذه القصة كلما وصل إلى مسامعي مصطلحا الاعتدال والتطرف، فهذان المصطلحان أشغلا العالم بأسره، وأصبحت تصنف بناء عليهما أنظمة ومنظمات وشعوب، ومحاولة التفرقة بينهما ليست باليسيرة، وتعتمد على البيئة والثقافة القانونية للمصنف أيا كان فردا أو جماعة، فأنا وأنت قد نكيل التهم وأنواع التصنيف لشخص ما لمجرد أنه يختلف عنا في رأي أو وجهة نظر حتى يتطور الأمر إلى إخراج أحدنا الآخر من الملة. فالشيخ في هذا الحفل قد يكون متطرفا من وجهة نظر بعض مرتادي الحفلة وقد يكون ليبراليا أو مفرطا أو علمانيا أو ما شئت من التصنيفات الأخرى من وجهة نظر بعض المتشددين. لذلك فإن ما نراه اليوم بكل أسف مما يجري في عالمنا العربي والإسلامي من تصنيفات واتهامات وتكفير وتنفير وقتل وتهجير أساسه فوضى عارمة في الأفكار وتفسير النصوص الدينية، في حين أصبحت المرجعيات ومجمعات الفقه ومراكز البحوث في العالم الإسلامي وكأن الأمر لا يعنيها في شيء، بل تركت الحبل على الغارب حتى أصبح الجميع في دوامة الله وحده يعلم نهايتها، واختلط الحابل بالنابل حتى لا تعرف من المعتدل هل هو الشعراوي أم الدكتاتور السابق تشاوسيسكو أم نجوى فؤاد!