في السنوات الأخيرة تفشت ظاهرة التنادي بالألقاب، والحمد لله أنها ليست تنابزا يثير الضغائن، لكن موضة الألقاب تثير اليوم جوا خطيرا وهو النفاق في شتى الأوساط والمجالات. كنا نظن أن الطفرة الأولى جاءت بلقب "شيخ" فأصبحنا نخلعه على كل صاحب مال، بعد أن كان حصريا على حملة العلم الشرعي أو كبار السن وكلا الفئتين حقها أصيل في التوقير .. بات لقب "شيخ" مستحقا لكل من علا بالمال على قومه ومجتمعه، أو يروق له أن يخلعه عليه العاملون لديه من البسطاء ومن المنافقين. هذا اللقب يصادف هوى بعضنا.. ويعيش الدور لزوم الكشخة.. فينفق بسخاء على ما تسوله له نفسه، خاصة في الخارج حتى لو كان من تحويشة أو اقتراض، ويعود صفر اليدين ونظيف الجيب.. المهم أنه عاش أحلام اللقب ودغدغ به مشاعره ولو لأيام خارج الحدود. حكاية "الشيخ" باتت قديمة ومعروفة وفيها نوادر وفكاهات لا حصر لها.. لكن حمى الألقاب انتشرت عدواها بمسميات كثيرة دخلت في اللامعقول.. وكل من يريد لقبا بإمكانه أن يحصل عليه، ولا ينتظر أن يسأله أحد متى ذلك وكيف ولماذا ؟.. وإنما يحرص على تثبيت ذلك في محيطه الأقرب ويحاول التسلل إلى الوسط الإعلامي، لعله يفوز بخبر عنه أو رأي في قضية ما ليشهر اسمه مسبوقا بلقبه الجديد. ظاهرة الألقاب باتت من غير ضابط ولا رابط.. وفي الوقت الذي سعت فيه كثير من الشعوب التخلص من إرث ألقاب قديم.. نجد موجة من الألقاب الجديدة تسير في مجتمعنا سريان النار في الهشيم، وبدون أساس وأصبحت مجانا، وكل من يريد لقبا فليجعله لنفسه ولا حرج. الإعلام المعاصر فتح الباب على مصراعيه للألقاب.. ففي الفضائيات العربية حدث ولا حرج وأصبح كل من يظهر على الشاشة يقدمه المذيعون والمذيعات (بالمفكر) إن كان سيتحدث في قضايا أمتنا الشائكة والمستعصية، فأصبح لدينا أجيال وطابور طويل من المفكرين، وفي الاقتصاد نجد اسم الضيف مسبوقا بلقب (الخبير الاقتصادي) ومن الاقتصاد يتفرع خبراء في كل صنف مما نشتريه ونستهلكه. الشيء نفسه في الموضوعات العسكرية.. ولأننا عشنا أكثر من حرب خلال عقود قليلة، وجدنا الفضائيات كريمة وسخية في خلع الألقاب على ضيوفها.. فهذا خبير عسكري.. وهذا محلل وهذا مفكر استراتيجي.. والحكاية كلها ضباط متقاعدون منذ سنوات طويلة.. لكن الإثارة الإعلامية تجعل الفضائيات تستنطقهم عن أي شيء.. فيتحدثون عن سيناريوهات الحروب والنتائج وكأنهم عالمون ببواطن خطط الأطراف المتحاربة وأسرارها . وفي الفن وما أدراك ما الفن.. وكل من وجد منتجا ومؤلفا وملحنا سرعان ما يبحث أو يبحث له المنافقون وصناع الشهرة عن لقب له، فهذا سلطان الغناء وهذا أخطبوط الطرب وهذا فارس الساحة، فاختلط الحابل بالنابل. لكن دعونا من هذا الخلط وذاك (الخرط) وما يهمنا هنا هو ضبط فوضى الألقاب التي تنسب للبعض بغير حق، ويخلعونها على أنفسهم زورا وبهتانا.وإذا ما استمر هذا التسيب سنجد فضاءات واسعة للنفاق الاجتماعي والتزييف الذي يضيع ضوابط وأصولا كان مجتمعنا أحرص ما يكون عليها عندما كان صادقا مع نفسه، ونراها اليوم رخيصة في بورصات الألقاب التي فاقت الشهادات المزورة. نقطة نظام : ما نشرته "المدينة" عن مسؤول بفرع ديوان المراقبة العامة حول مخالفات تعاقدات وتوظيف وبذخ رواتب (بدون وجه حق) لمقيمين في أمانة محافظة جدة.. كلام يستحق وقفة وتصحيح عاجل.. باعتباره وقائع مقرونة بأدلة دامغة.. حفاظا على المال العام وإنصافا للمواطن في وطنه. [email protected]