شهد مسجد العنبرية في أول أيام رمضان المبارك توافد أعداد كبيرة من ضيوف الرحمن زوار المسجد النبوي، للصلاة فيه والتجول في المأثر التاريخي الذي شيدته الدولة العثمانية بالحجر المنحوت، بروعة ودقة الفن المعماري. ويعد مسجد العنبرية اليوم جهة رئيسة للزوار بعد المسجد النبوي، والمساجد التاريخية (قباء، القبلتين، شهداء أحد، والسبعة مساجد). وبسبب قرب مسجد العنبرية من المسجد النبوي، الذي لا يتجاوز 100 متر تقريباً، لم يجد الزوار مشقة في الوصول إليه. وتعلو المسجد الصغير قبة عليها زخرفة إسلامية. وتقوم حكومة خادم الحرمين حالياً بالاهتمام والعناية به. ويرتبط إنشاء مسجد العنبرية الواقع غرب الحرم النبوي الشريف بالسلطان العثماني عبدالحميد الثاني عام 1326/ 1908، ليكون جزءاً من مشروع محطة قطار الحجاز الذي يربط بين المدينة ودمشق. وقال الباحث والمؤرخ الدكتور تنيضب الفايدي، إن موقع مسجد العنبرية استرايجي بالنسبة للمدينة المنورة، مؤكدا أن قربه من الحرم النبوي منحه سمعة جيدة وأكسبه مكانة كبيرة دينيا واقتصاديا، فباب العنبرية كان في الماضي هو مدخل المدينة الرئيسي للقادم إليها من مكةوجدة وبدر وينبع، وهي المنفذ الرئيسي لأهل المدينة ممن يتجهون إلى وادي العقيق. وأضاف الفايدي أن المنازل التي كانت تحيط بالمسجد كانت راقية وسكنها القضاة والعلماء والأدباء والتجار وكبار رجالات المدينة في الماضي، ولا تزال آثار منازلهم وأحواشهم باقية حتى الآن كأطلال شاهدة على تاريخ حافل لم يطو بعد. أما الأكاديمي بجامعة طيبة الدكتور عاصم حمدان، فقال إن هناك قولين حول تسمية مسجد العنبرية بهذا الاسم، الأول يعود إلى رائحة طيبة كانت قديما تلف هذه المنطقة كل مساء، وهي تشبه إلى حد بعيد رائحة العنبر. والقول الثاني إن أرض العنبرية التي كان اسمها سابقا "بلاد النقا"، كما عرفت أيضا باسم "الدوس"، كان يملكها في أيام الأتراك والعثمانيين رجل اسمه عنبر آغا، ومن هنا جاءت تسمية العنبرية. وأشار الدكتور حمدان إلى أن من أبرز المعالم التي اشتهرت بها العنبرية "دكة الترجمان"، التي تجاور المسجد، ففي تلك الدكة كان كتاب المعلمة "زينب مغربل" - رحمها الله -، والتي يعود لها الفضل الأول بعد الله في تعليم سيدات المجتمع المديني القراءة والكتابة وكثير من العلوم الأخرى، وذلك قبل إنشاء مدارس نظامية لتعليم البنات، وإلى جانب هذه الدكة تقع التكية المصرية والاستطيون "محطة سكة الحديد" المطلة على مسجد العنبرية.