ما إن تطأ بقدميك ضاحية المنطقة التاريخية المعروفة ب "العنبرية"، التي تعد أحد أشهر أحياء ومعالم المدينةالمنورة، حتى يشدك انتباهك "مسجد العنبرية" في زاوية المنطقة، والذي استقى اسمه نسبة للحي الذي أنشئ فيه، في عهد الدولة العثمانية عام 1326 - 1908، وشيده السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قبل 105 أعوام. هذا المسجد الصغير الذي لا تتجاوز مساحته العشرين متراً مربعاً، والذي تكاد مساحته لا تخدم سوى أهل منطقته، يحمل دلالات مهمة حتى اليوم، ويقع غرب الحرم النبوي الشريف بالقرب من محطة سكة الحديد الحجاز التي كانت في العهد العثماني، ويبعد عنه بحوالي 100 متر بواجهة شمالية، ومحاط بحديقة دائرية تضفي عليه روعة وجمالاً لتظهر مبانيه الأثرية التي شيدت في عهد الدولة العثمانية بالحجر المنحوت بروعة ودقة الفن المعماري، وقد اهتمت المملكة بفرشه وصيانته والاهتمام به ليبقى شامخاً ومحاكياً للمساجد الأثرية بالمدينةالمنورة التي انطلق منها الإسلام لشتى بقاع المعمورة. ورغم التقدم الهائل في البيئة العمرانية المجاورة للمسجد إلا أن المسجد مازال شامخا وقد استعملت المواد المحلية في التنفيذ، فنرى المسجد من الخارج أسود اللون، نتيجة بنائه بحجر البازلت البركاني المدني المعروف في المدينة بالحجر الحراوي، وهو من أشد الحجارة صلابة، وقد استخدمه العثمانيون قبل ذلك في بناء الجزء المجيدي من الحرم النبوي الشريف، وطلي من الداخل باللون الأبيض، بينما كسي القسم الأسفل من حوائطه من الداخل بالرخام الأبيض، ولم يتيسر لنا معرفة ما إذا كانت هذه الكسوة من عمل المنشئ أم إنها مستحدثة. وتستشعر منذ الوهلة الأولى حين تراه أنك تعيش في حقبة زمنية سابقة عتيدة، من عبق التاريخ البنائي، في دقة تصميم قببه العلوية، ورشاقة مناراته الأسطوانية. وتحول المسجد إلى معلم تاريخي، وأضحى نقطة ارتكاز لزائري طيبة من وفود الحجيج والمعتمرين، الذين أصبحت كاميراتهم الرقمية وكاميرات هواتفهم النقالة الذكية، "شاهد عيان" على الأهمية التاريخية لهذا المسجد الصغير، لتصوير جنباته من الخارج والداخل، لذلك لا تعجب حين ترى صفا طويلا من المركبات الكبيرة التي تأتي بين الفينة والأخرى حاملة الزائرين، للصلاة فيه، للقيمة التاريخية العظيمة. وأصبح سكان ضاحية العنبرية مرشدين سياحيين بالفطرة، كالستيني العم رفعت اللبان الذي يقول: نسعد بقدوم الحجيج للمنطقة، ونتسابق إلى خدمتهم وإرشادهم، وسرد قصة إنشاء المسجد. ويستدرك :" وبعد أن تقدم بنا العمر فرط الجيل الجديد في معرفة القيمة الحقيقية لهذه المنطقة، وأضحى الحجيج يستقون معلوماتهم من قبل سائقي سيارات الأجرة أو الحافلات الذين يتجولون بهم على هذه المناطق التاريخية، وتشير المعطيات التاريخية للمسجد إلى أن قصة بنائه جاءت كي تتيح للمسافرين القادمين والمغادرين بمحطة سكة حديد الحجاز الصلاة فيه".