في البداية دعونا نسلط الضوء على الهدف من الإعلام: فالإعلام يأتي من منطلق كونه رسالة في إيصال المعلومة للمتلقي بكل تجرد عن الأهداف الخاصة وتبني الأفكار والأيديولوجيات السياسية والتوجهات الفكرية والتطرف الديني أو المذهبي. وفي زمننا اليوم تعدى الإعلام سواء المقروء أم المسموع أو المرئي هذا الدور وأصبحت وسائل الإعلام ذات شقين: حكومي تمتلكه الدولة، وخاص يتبع لمؤسسات فردية أو شركات تمتلك قنوات إعلامية تطلق بثها من أنحاء متفرقة من العالم، وصار التنافس بينها محموم في استقطاب المشاهدين بكافة أطيافهم. وإذا حصرنا تسليط الضوء على الإعلام المرئي لاسيما المملوك لمؤسسات فردية أو شركات خاصة تجد البعض منها يقدم الكثير من البرامج والمسلسلات التي تتباين مع رسالة الإعلام ونشر الثقافة والسلام وتنافي تغذية عقول المشاهدين بكل ما هو ذو أثر مفيد وتسهم في تسطيح الأفكار وتغييب الفائدة تحت ستار المتعة والتنافسية المبتذلة وتنشئة الأجيال على قيم خالفت ما سعت إليه أجيال سابقة من الرقي بمستوى عقلية المشاهد، ولك أن تقلب ناظريك في تلك القنوات لتشهد مدى السخرية التي يطلب منك متابعتها والركض خلفها بالتصويت المدفوع مسبقاً بعد أن أضحت بعض وسائل الإعلام المرئي محلا للكسب المادي بعيداً عن طرح ما لا يجرح الذوق العام أو حتى المحافظة على الهدف المنشود منه. لا يخفى على أحد بأن أقوى وسيلة لمحاربة الشعوب وسحل كل قيمهم التي يخاف منها الأعداء هي توجيه الإعلام بما يشاؤون وتسخير الإعلام لخدمة أهدافهم ضاربين بعرض الحائط قيمة فوز متسابق أو صعود نجم أو أهمية نشر فن معينن بعد الانتشار الكبير للبرامج المسحوبة من نسخ فرنسية أو أميركية أو خلافها، التي لا تلائم أعرافنا وعادتنا الدينية والاجتماعية ويظهر فيها رأس الشيطان بكل وضوح من خلال تمييع الأفكار النيرة لدى الموهوبين والمثقفين وزرع العداوات في الوطن الواحد وإذكاء روح العنصرية وخلق الفجوة بين الشعوب ومخاطبة الغرائز. فالإعلام المشار إليه يظهر الاستياء منه عند تقييمه من زاوية طرحه ما يسحق الأوقات من برامج السباقات التنافسية في الإغراء الجنسي المبطن وجذب المشاهد بما يثير غرائزه، وما يؤجج العنصرية بكل أطيافها القبلية والمناطقية وغيرها، وما يحاول خلق التطرف والإرهاب بإدارة تغزو منازلنا بعقل الشيطان وبمظهر المتحضر الذي يصعد بنجومية الفن والدراما والمحافظة على الموروث الشعبي، وتغييب من يملكون تلك القنوات عن ذلك الشر المستطير الذي تزرعه تلك البرامج في نفوس المتابعين ولكن الفكرة الحائرة تدور حول مدى خوف أصحاب زمام ذلك الإعلام من غضب الشارع العربي وانقلاب السحر على الساحر واعتصام المشاهد عن تدوير استقبال البث في استقطاب تلك القناة ومشاهدتها، وعن نداء ضمائرهم للقيام بواجبهم تجاه المسؤولية المناطة بهم في السير على جادة الصواب عند تقديم برامج هذه القناة أو تلك، وإعادة النظر في مدى خدمة الرسالة الإعلامية المكلف بها ووضع قضايا الأمتين الإسلامية والعربية تحت المجهر؛ لتكون محل حراك إعلامي صاخب تنشر من خلاله ما يعانيه من جراح سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أو حتى اقتصادية، ناهيك عن المبالغ الطائلة المصروفة على إنتاج المسلسلات والبرامج. ومع حلول شهر رمضان المبارك تظهر أصوات عدة لمقاطعة قناة بعينها وعدم مشاهدتها و تسبيب ذلك من منطلق ديني بحت؛ مع أن ما يقدم فيها من منكرات شرعية أو عرفية أو حتى اجتماعية يقدم في غيرها من القنوات الفضائية، وفي كل عام نسمع عن غضب فئة ما عن طرح ما قدمته تلك القناة قبل موعد بثه على الهواء والتحذير منه بطرق كثيرة منها على سبيل المثال مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعلنا نقف أمام تلك الدعوات بمنطق المتسائل نحو هذه الحرب لمعرفة هل هي لمجرد التحذير من ملامستها الحاجر الديني أم أنها دعاية لها من نوع لم نعرفه من السابق؟ أم أن المسألة هي حرب على الإعلام الخاص بطريقة صعود السلم درجة بعد الأخرى؟ فبعد الانتهاء من الإجهاز على قناة بعينها تبدأ الحرب على قناة أخرى لتصفية باقي القنوات غير المرضي عنها. وإذا كان هذا هو ديدن وطريقة تلك القنوات فيما تقدمه للمشاهد فالدور يبات قائماً على المشاهد الواعي والمتبصر لهذه الفتن والمغريات والامتناع عن متابعتها لا سيما في أيام شهر رمضان المبارك، وأن تكون الحملة لمقاطعة كل القنوات التي لا تخدم مصلحة الرسالة الإعلامية ولا القيم النبيلة، وأن تتبنى الحملة المزعومة بناء إعلام جديد يرقى إلى تطلعات كل غيور على دينه ووطنه وأمته بعيدا عن تضليل القنوات المسمومة التي أضحى زعاف سمها يزكم كل أنوف الشرفاء في وطننا ويبقى الاستمتاع بما تبثه رياض للساذج من الناس.