ارتفعت حدة النقاش والحوارات في المشهد المسرحي السعودي مع بدء الصيف، وبدت العروض المتفرقة في مختلف المدن والمحافظات، وفي مقدمتها مهرجان الجنادريةبالطائف، ومسابقة العروض القصيرة في الدمام، كأنها تزيد الصيف سخونة، وهو ما يراه المراقبون، بمثابة تألق للمسرح في نشاطاته، مقابل فنون أخرى. في المنطقة الشرقية، الدمام تحديدا وصف الفنان المسرحي إبراهيم جبر، المخرج عبدالله الجريان بأنه ممثل أكثر من مخرج وعليه أن يراجع نفسه ويعترف بذلك، فيما رد الجريان بقوله: لقد حصدت أكثر من جائزة وهو دليل على أني مخرج، إلا إذا كان من منحني الجائزة لا يفهم في المسرح، أحترم كل رأي سواء كان عنّي أو عن العمل وهي طبيعة الحوار تقبل بعضنا البعض في الحوار والنقاش. جاء ذلك خلال الندوة التطبيقية التي تلت عرض فرقة أرين بمسرحية "الساعة الثانية عشرة ليلا"، ضمن فعاليات مهرجان الدمام المسرحي العاشر للعروض القصيرة، الذي تنظمه لجنة المسرح بفرع جمعية الثقافة والفنون في الدمام، بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، على مسرح "إثراء" في موقع برنامج أرامكو السعودية للإثراء المعرفي، وهي من تأليف عبدالله السعداوي، وإخراج عبدالله الجريان، وتمثيل جميل الشايب، وفيصل الدوخي. الندوة تحدث فيها الناقد يوسف شغري، وأدارها إبراهيم جبر، قائلا: المسرحية كانت الرؤية سوداوية للواقع، مخرج العمل ترك ضوءا في نهاية النفق المظلم وهو بكاء الطفل الذي يعطي الأمل في أن الحياة لا يمكن أن تموت، مستخدما رؤية بسيطة تمثلت في الستائر السوداء وملابس الممثلين التي هي أشبه بملابس السجناء، الديكور بسيط في فضاء المسرح، ورغم أن النص كتبه السعداوي عام 2000، حيث كانت الأجواء أقل سوداوية إلا أن المخرج رأى فيه ما يعبر عن الواقع الحالي، وأراد المخرج أن يقول من خلال العرض إن الابتسامة والحياة أقوى من الموت والوهم والجنون. وفي مداخلة للمخرج فاضل مصطفى أكد أن العمل كان يمشي برتم واحد دون تغيير، وأن الإضاءة المنتشرة تنفي وجود حالة من السوداوية التي يتكلم عنها المخرج الجريان والشغري، وأيضا الموسيقى كانت مستهلكة جدا. مخرج المسرحية عبدالله الجريان أوضح أنه برغم الوقت القصير لعمل بروفات وظروفي الشخصية وظروف الممثلين وأيضا اعتذار الموسيقي، الذي كان من المفروض أن تكون الموسيقى مباشرا مع المسرحية إلا أننا استطعنا بقدر الإمكان تقديم المسرحية وبجهود الجميع وتوصيل فكرة العرض في أن بعض بني الإنسان يكون اختيارهم في الحياة الوهم والخيال وعدم أخذ قرار في تغير حياتهم، وتأتيهم فرصة التغيير وكان وجود الطفل والبكاء المتواصل فرصة لهم للخروج من الوهم والجنون الذي يحاصرهم ويحاصر في كل حركة وحوار بينهم وحالة الخوف من أي حركة أو صوت إلا أنهما لم يستغلا اللحظة والفرصة فذهبت عنهما وكان مصيرهما غذاء للصراصير والفئران. إلى ذلك، أكد الفنان والمخرج البحريني عبدالله السعداوي أن المنطقة الشرقية أصبحت تحوي عددا من الطاقات الإبداعية والفنية وطموح الشباب بلا حدود، وقال: من خلال ورش العمل التي أعقدها دائما بدأت أتلمس زيادة إقبال أعداد الشباب السعودي على تلك الورش الفنية واهتمامهم بها، طارحا عددا من التساؤلات. السعداوي وصف مهرجان الدمام المسرحي الذي يحل ضيفا عليه، بأنه نواة ومركز لانطلاق الطاقات الإبداعية وفي كل عام أجد تطوره، فأشعر بأن الفنانين قد ازدادوا خبرة وأصبحوا جاهزين بالفعل لخوض التحديات الإقليمية بل والعالمية، مطالبا المتدربين في المسرح بالقراءة والاطلاع، فكلما ازداد الفنان في خوض التجارب المسرحية فتحت له أبواب جديدة وكواليس من الخبرات والمعلومات التي لا تنتهي. في غرب البلاد وتحديدا في مدينة الطائف صب النقاد جام نقدهم على المسرحية التي اعترف فرع جمعية الطائف بأنها "ورشة تدريب" لعدد من الشبان، الذين تلقوا دورة في التمثيل وكانت بمثابة مشروع تخرج والعمل الأول لهم. واندلعت الشرارة من مداخلة الكاتب محمد السحيمي في أول ندوة تطبيقية على هامش العرض المسرحي ضمن مسباقة النشاط المسرحي لمهرجان الجنادرية، حينما قال "دعينا لعرض مسرحي ولم تقولوا لي إنها ورشة تدريب أو إن هؤلاء الشباب الممثلين تحت التدريب". وانتقد السحيمي العرض قائلا: "المأخذ الوحيد للعرض هو القطع بينه وبين المتلقي، متسائلا، هل من الممكن أن أجازف بممثلين يقفون على خشبة المسرح للمرة الأولى بنص مكتوب بطريقة عالية جدا؟". وخاطب السحيمي المخرج أحمد الأحمري قائلا: "أنت دعوتني لعرض مسرحي ولم تقل لي هذه ورشة تدريب، وأن هؤلاء شباب تحت التدريب، أنا أتيت كي أقرأ عرضا مسرحيا، وبالتالي لا بد أن أتأكد أنه مكتمل العناصر، فالمخرج يحتاج إلى وقت كي يتأكد من تحقيق الهدف من مجازفته". وقال إن الشخصية المسرحية لن تصنعها النقاشات التي تحدث بين الأشخاص وإنما التنافس بين المبدعين، مشيرا إلى أن مؤلف مسرحية "الرحلة" فهد الحارثي ليس سرديا بل هو شاعر، فهو حينما يكتب النص يعطي المخرج الحرية في قراءته للنص من جديد، هو يلغي الحوار ويجعل بديلها بالحركة والصورة، فهذا النص حين نريد قراءته لا بد أن تقرأه شعرا، فالشاعر قدمها بلغة مفردة والباقي يكون على المخرج في قراءة تلك اللوحة. وقال إن المخرج الأحمري أبدع في لقطتين مهمتين هما الموسيقى حينما غنى النص المكتوب، والأمر الآخر هو المكعب في العرض، فكأن المكعب يصف حال العرب، ونحن نكرر أخطائنا وهمومنا فكأنه اختزل وسجن رغباتنا. من جهته، قال كاتب المسرحية فهد الحارثي، إنه من أطلق الجملة الدرامية والاستعانة بالسرد من خلال تجاربه، فالاختلاف بيننا هو خلاف صحي. ودافع عن مخرج العمل بقوله: المخرج استعان بشبان من رعاية برعاية الشباب يتدربون يوميا 3 ساعات، وهذا العمل هو مشروع تخرج وهم يستحقون ذلك، فنحن في الطائف شمسنا محرقة ولكن لا تحرق الورد وهؤلاء الشباب هم الورد". فيما قال الأحمري جازفت بإشراك ممثلين يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح، لأني "ماني خواف" فإذا فشلت فسأنجح وإذا نجحت فسأستمر في النجاح، فالخواف لا يستطيع أن يمشي لا إلى الأمام أو الخلف. وفي سياق آخر، انتقد مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بحائل خضير الشريهي ما سماه سيطرة "مدرسة الطائف" على المهرجانات المسرحية وقال: "بما أن المهرجان ليس له موضوع معين أتمنى إتاحة المجال للمدارس الأخرى في المشاركة وعدم الاكتفاء بنهج الطائف فقط،.