نظرة واسعة على الإحصاءات التي تدلي بها المراكز الاقتصادية المختلفة حيال نافذة الاستثمارات الكبيرة الحاصلة اليوم في عالم منتجات اللحوم الحمراء الحلال، تعطي ملامح حيوية مهمة بأن هذا المجال ربما سيكون له كلمة الفصل في بعض جوانب الاقتصاد العالمي، حتى شبهه المختصون ب"النفط الأحمر"، مقابل "النفط الأسود". فالتقارير الدولية التي رصدتها عدد من المواقع المتخصصة في تتبع المسار الاقتصادي، تتوقع نموا في تجارة المنتجات الحلال على المستوى الدولي بنسبة تزيد عن 4.8%، وهو ما أشار إليه تقرير موسع في النشرة الربع سنوية لمصلحة الزكاة والدخل السعودية، بأن هذه الزيادة المتصاعدة تدفع بهذا الاستحقاق إلى حجم 6.4 تريليونات دولار حتى عام 2020. وتقدر تقارير أخيرة لمجلة الإنسايدرز (insiders) قيمة تجارة اللحوم الحلال عالميا بنحو 2.3 تريليون دولار سنويا، كما تشهد التجارة ازدهارا متسارعا في الفترة الأخيرة على مستوى عالمي، خاصة في الدول الغربية، إلا أن خبراء آخرين يقدرون حجم الفرص الاستثمارية في هذا القطاع سنويا إلى أكثر من 2.9 تريليون دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة.
أرقام ودلالات يمكن القول إن أكثر الأرقام إثارة للجدل الاقتصادي تلك الصادرة من الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والتجارة، التي تؤكد في بيانات أرقام صادرة عنها غياب الدول الإسلامية والعربية على صعيد واحد من قائمة الدول الموردة للحوم الحمراء "الدواجن والأبقار"، لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ تحتل البرازيل المرتبة الأولى في التصدير بنسبة 69% في الدواجن و54% في لحوم الأبقار، يليها في ذلك الهند بنسبة 11%، ثم أستراليا بنسبة 9%، ونيوزيلندا بنسبة 4%. كما يبلغ معدل النمو في سوق منتجات لحوم الدواجن بالنسبة للناتج الإجمالي البرازيلي بنسبة 45%، وتتوجه النسبة الأكبر منها "ما يقرب 38%" لمنطقة الشرق الأوسط، وتصدر 41% من إجمالي إنتاجها من لحوم الأبقار إلى مختلف دول العالم الإسلامي.
تنويع مصادر الاستيراد وفي سياق الدلالات الاقتصادية السابقة، يشير الباحث الاقتصادي عبدالمنعم الصادق، في حديث خاص إلى "الوطن" أن الكثير من الدول الإسلامية بما فيها العربية لا تزال خارطة هذا السوق في إشارة إلى منتجات "لحوم الحلال" غير واضحة لها من حيث التخطيط الاستثماري، على الرغم من الأرقام الفلكية في خانة المكاسب المالية الواقعة من خلف هذا السوق، ويقول "الصورة الاقتصادية القادمة للدول العربية تتطلب تحالفا استراتيجيا يجب أن يكون بين الدول الإسلامية والبرازيل، وبالأخص أن يتوجه رجال الأعمال الخليجيين عموما، والسعوديين بالأخص للاستثمار في تجارة منتجات الحلال، نظرا للاستهلاك الكبير للحوم الحمراء في المملكة العربية السعودية". ومن حيث الارتباط الاقتصادي بين ما ذكره المتخصص الاقتصادي، يمكن الإشارة في ذات المنوال إلى توصيات الدراسة الاقتصادية الصادرة من لجنة الزراعة والأمن الغذائي بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، التي ألمحت إلى ضرورة إجراء الدراسات المتخصصة، للتعرف على الأسواق الخارجية المتخصصة في مجال إنتاج اللحوم الحمراء، بغرض تنويع مصادر الاستيراد مع الحفاظ على جودة المنتجات المستوردة، والاستفادة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع الدول المصدرة لهذه اللحوم، لتوفير هذه المنتجات بالمميزات الاقتصادية، التي يمكن تبادلها بين الطرفين في إطار المصلحة المشتركة. وشددت أيضا على أهمية تفعيل دور الاستثمارات الحكومية المشتركة بين السعودية والدول الأخرى، في مجال الثروة الحيوانية وإنتاج اللحوم الحمراء، والتوجه نحو الاستغلال الأمثل لفرص الاستثمار الخارجية في هذا المجال، من خلال الاستثمار المباشر في مجال تربية وإنتاج اللحوم الحمراء.
سوق واعد ويشهد سوق منتجات الحلال انتعاشا ملحوظا في الدول الإسلامية والغربية على السواء، إذ يمكن رصد التقارير التلفزيونية الأوروبية التي تتحدث عن الأرقام الاقتصادية الكبيرة في هذه التجارة، فبعد أن كانت معركة للأقليات المسلمة في القارة الأوروبية، تحولت في فلك المكاسب الاقتصادية إلى استثمار يدر أرباحا كبيرة بالنسبة للأوروبيين. بدأ تسليط الضوء على تجارة منتجات "لحوم الحلال" في أوربا منذ عام 2007 تقريبا، إذ بدأت الدراسات والتقارير الاقتصادية المتخصصة ترصد جانب الاستثمار المالي والصحي، آخر تلك التقارير كان يناير الجاري، من مجلات اقتصادية، لكن الاهتمام بهذا الخط الاقتصادي سيرتفع في السنوات القليلة المقبلة من قبل الاتحاد الأوروبي لعدة معايير دولية أهمها التركيز على نسبة النمو السكاني في العالم الإسلامي، التي من المتوقع أن تصل بعد أحد عشر عاما إلى أن يكون واحدا من بين ثلاثة أشخاص يدينون بالدين الإسلامي. إضافة إلى إقبال الشعوب الأوروبية نحو منتجات الحلال للسمة الطبية التي تحملها.
شراكات ل"الأغذية الحلال" وفي ديسمبر الماضي طالبت منظمة التعاون الإسلامي بضرورة تعزيز منهجيتها حيال زيادة الشراكات العالمية لتطوير معايير الأغذية الحلال. مؤكدة في مؤتمر الأغذية الحلال في الشرق الأوسط بالشارقة، وأن الجهود التي تبذلها المنظمة لوضع معايير للأغذية الحلال معترف بها عالميا، ولا تنحصر في المشاركة مع الدول الأعضاء، إذ إن العملية الحالية تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء في المنظمة، بما في ذلك المسلمون المهاجرون في شتى أنحاء العالم. كما قالت على لسان أمينها السابق البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، أن السوق العالمية لمنتجات الأغذية الحلال نمت بسرعة خلال العقد الماضي، وتقدر قيمتها حاليا بقرابة 2.3 تريليون دولار أميركي، تشكل الأغذية والمشروبات 67%، بينما تشكل المستحضرات الصيدلانية نحو 22%. أشارت إلى أن الطلب على المنتجات الحلال زاد على الصعيد العالمي؛ بسبب نمو السكان في البلاد الإسلامية والإدراك بأن هذه المنتجات تتسم بقدر أكبر من السلامة والالتزام بالأخلاق. وفي 2010 أنشأت منظمة التعاون الإسلامي معهد المعايير والمقاييس للبلاد الإسلامية، بهدف تلبية متطلبات وضع معايير موحدة للمنتجات الحلال، إذ تقول المنظمة إن هذا المعهد عزز من جهودها في توحيد المعايير الحلال والاعتماد والتوثيق، ويحظى بالاعتراف العالمي.