يبدو أن السمة السائدة في التجمعات البشرية، إما أن تكون حوارات عقيمة، أو مشادات كلامية، أو مشاجرات تكون فيها جميع الأسلحة المتاحة مباحة، ولكي نكون منصفين نقول إلا ما ندر. فالعاقل، إن تواجد مع مجموعة، إما أن يتابع بصمت وإما أن يشارك بحذر وإما أن يخوض، وإن نجا يكن محظوظا. دائماً يبدأ أي حديث بطرح رأي أو فكرة، ويوجد له معارضون كما له مؤيدون، وهنا تبدأ معركة الدفاع عن الفكرة ومحاولة الإقناع. البعض قد يقتنع والبعض الآخر يمتعض، وهنا يتكون فريقان ضد بعضهما البعض، وصاحب الفكرة يخفت صوته إلى أن يتلاشى بتلاشي فكرته أمام قوة معارضيها. في بعض التجمعات الذكية قد يوهم الحضور أو المتابعون بأن التجمع مثمر والفكرة مرحب بها، وعند تفرق الجمع تترك الفكرة أو الاقتراح أو الرأي في مكانها ويتم قطع الطريق لتحقيقها، وهذا ما نشاهده بالعادة في البرامج الحوارية وفي اللقاءات السياسية، وأصبح يمارس في الشارع العربي. قد يقول البعض إن الموقف الشجاع هو اتخاذ قرار غير متوقع يكسر حاجز الخوف والترقب. ومثال على هذه القرارات ما حدث في مجلس الأمن الدولي الذي له دور على مجريات الأحداث، فالمشاهد البسيط يرى أن مجلس الأمن هو عبارة عن مجموعة دول وقوى سياسية تجتمع لمناقشة وضع دولة، ومن ثم طرح حل أو مقترح لوضع تلك الدولة ورفع الظلم عنها، ويوجد في المجلس معارضون وبالمقابل متبنون للقرار، كما يوجد حق النقض (الفيتو) الذي تقوم الدول المشكلة له بإلغاء ونسف القرار المقترح. ما نشاهده الآن أن مجلس الأمن لم يعد يمارس دوره المناط به وتخلى عن أهدافه والسبب الرئيسي لإقامته، وهو نصرة الدول المستضعفة. بل إنه أصبح عكس ذلك تماماً، أصبح قائما على حماية المعتدي والتضليل، فقد تخلى مجلس الأمن عن أهدافه وبدأ يسعى خلف أطماعه. أصبح هدفه طمس الحقائق، بدلا من تجليتها. عند ترشيح المملكة لشغل مقعد في مجلس الأمن ظن البعض أن المملكة سترحب بذلك لما لمجلس الأمن من ثقل سياسي، لكن جاء الرد ناسفاً لجميع التوقعات، هو احتجاج على ما يحدث ورفض لبعض سياسات المجلس، فحكومة المملكة العربية السعودية في غنى عن شغل مقعد أصم لا يسمع له صوت ولا يعد لقراراته أي قيمة، فالرفض هو قرار حكيم والتطلعات والآمال بدور أكبر فهي ليست أداة تحركها الدول الأخرى، بل هي كيان مستقل، كان قرارها بعدم الموافقة قرارا شجاعا يحسب لها، وله مدلولات سياسية حكيمة، وقد يفتح هذا القرار باباً لعام جديد يُرفع فيه الظلم ويسمع لصوت الحق صدى. فالحكمة من شغل مقعد هو إيصال صوت وتمثيل جهة، وليس تجميد رأي وتكميم أفواه.