حمل نائب مسؤول تحرير جريدة "الشرق الأوسط" بالرياض بدر الخريف، على بعض رؤساء التحرير، متهما بعضهم بأنه مارس القمع والتهميش للمبدعين والبارزين من الصحفيين بهاجس الخوف من إمكانية إزاحتهم له، أو عدم رغبة رئيس التحرير في تسجيلهم لنجاحات تجير لهم لا لرؤسائهم، وشبههم الخريف الذي ركض خلال 4 عقود في مضمار الصحافة، بزعماء الكتلة الشيوعية، من خلال بقائهم في منصب رئاسة التحرير، على حد وصفه. الخريف الذي يعيش في الرياض منذ أن كان في الخامسة من عمره قادماً من مسقط رأسه محافظة الغاط، تحدث إلى "الوطن" عن واقع الصحافة السعودية، ورؤاه حولها، وعن رفضه منصبا قياديا في الصحافة، فكان هذا الحوار: شخص مثلك له باع طويل في الصحافة وخبرة، لكنك في كل مرة ترفض العروض التي قدمت لك لرئاسة التحرير في المطبوعات التي عملت بها وغيرها.. ما هو تعليقكم؟ _الصحفي الذي يختار الصحافة مهنة يجب أن يؤدي عمله بعشق ووفق معايير خاصة تسمو إلى آفاق من المصداقية وتقدير واحترام المهنة، وألا ينتظر أن يصل إلى رئاسة تحرير، وأن لا يدخل صراع المناصب، وعلى الصحيفة أو المؤسسة التي تصدر عنها المطبوعة أن تقدر عمل منسوبيها وتضحياتهم وركضهم بتكريمهم ووضعهم في المكان اللائق بهم، ويجب أن يعي الصحفي أنه عندما يكون رئيسا للتحرير لا يعني أنه الأكفأ في الصحيفة مهنيا، لكنه قد يكون الأجدر إداريا، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك أشخاصا لا يصلحون إلا أن يكونوا في الصف الثاني أو الثالث في مطبوعاتهم على رغم مهنيتهم العالية وقدرتهم على خلق مناخ وعمل جيدين في مطبوعاتهم، وأجزم أن رئاسة التحرير هي وظيفة إدارية بحتة يجيدها القليلون، وإذا توافرات معها المهنية العالية انعكس ذلك إيجابا على الصحيفة وحضورها في السوق. رئاسة تحرير أي صحيفة تحتاج إلى شخص يملك "كاريزما" خاصة لا تتوافر إلا عند القلة حتى مع غياب المهنية عندهم. والصحافة في الغرب تضع مسميات للنابهين من منسوبيها كمسمى "كبير المحررين" فهو أشهر من رؤساء التحرير، في بلادنا لا وجود لهذه المسميات البتة. وفيما يخص سؤالك عن رفضي للعروض التي قدمت لي لرئاسة التحرير، فأنا لم أدخل عالم الصحافة واضعا أمامي أن أكون يوما رئيسا للتحرير، دخلت الصحافة منذ أربعة عقود متعاونا ثم متفرغا لتأدية المهنة كعشق لا وظيفة، بدأتها وأنا على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة ثم الثانوية إلى أن أصبحت معلما ركضت في السلك التعليمي أكثر من ربع قرن جنبا إلى جنب مع الصحافة متعاونا إلى أن تفرغت قبل 15 عاما لهذه المهنة وخلال هذه السنوات تلقيت عروضا مشافهة لأن أتولى رئاسة تحرير عدة مطبوعات أو أكون قياديا في بعضها لكنني اعتذرت، وأجزم أن هذا الرفض موجود في جيناتي ولقناعتي بأن رئاسة التحرير وجع يومي سيضيف إلى متاعبي في مسرح الحياة متاعب جديدة، وسأكبّل معها بقيد جديد، إضافة إلى أن مسؤولية الإدارة فن لا أجيده، وعلى رغم هذا العمر الطويل مع عالم الصحافة فلا زلت تلميذا في مدرستها مع شعوري بالرضا عما قدمته خلال ركضي في مضمار الصحافة خلال أربعة عقود في جميع المطبوعات التي عملت بها ما تعليقك على هيئة الصحفيين السعوديين وعملها وإنجازاتها؟ _ هيئة الصحفيين السعوديين خطوة رائدة في تحقيق المناخ الآمن للصحفي ليعمل براحة تامة وفي أجواء تشجع على العطاء وتكون ملاذا له من الممارسات الخاطئة من قبل مطبوعته أو من الأجهزة الأخرى التي يتعامل معها كالفصل التعسفي أو الإيقاف أو غيرهما. والحقيقة أن الهيئة لم أرَ لها إنجازات تستحق التوقف أمامها، وعملها ليس له جوانب ملموسة باستثناء اجتماع الانتخابات. لقد ماتت الهيئة منذ ولادتها وهو ما دعاني مع كثير من الزملاء، إلى ترك عضوية الهيئة التي أصبحت مجرد بناء ولوحة يزينان حي الصحافة وبالقرب من مطبوعتين عريقتين، رئيسا تحريرهما توليا رئاسة ونيابة الهيئة في سنوات انطلاقتها ولم أعد أعرف شيئا عن الهيئة بعد ذلك، وفي هذا الصدد أقترح لإحياء الهيئة تغيير مسماها إلى نقابة الصحفيين، على الأقل تيمناً بنقابة السيارت في الحج، على رغم أن لمسمى النقابة لدينا حساسية ومحاذير. هناك رؤساء تحرير صحف تمتد رئاستهم لسنوات طويلة فهل هذا يفيد الصحافة أم يضرها؟ _ موضوع بقاء رؤساء التحرير في مناصبهم لمدة طويلة سبق وأن تناولته عندما كنت أعمل في مجلة اليمامة، قبل عقدين وخلصت فيه إلى أن رئاسة التحرير يجب أن تكون مثل اختيار رؤساء الدول كل أربع سنوات عن طريق الانتخاب أو التعيين، إلا إذا أصر العاملون في الصحيفة على بقائه دورة أخرى، الذي يحدث هنا أن بعض رؤساء التحرير لم يتغيروا منذ عقود وإلى اليوم، وكأن البلد تخلو من قادرين عن القيام بهذه المهمة.. رئاسة التحرير يجب أن تتم بالانتخاب داخل المطبوعة حتى لو تم إشراك القراء في اختيار رئيس التحرير الذي يرونه مناسبا.. الآلية التي يتم فيها اختيار رئيس التحرير خلقت جمودا داخل المطبوعة، وظلت الصحيفة التي يديرها ذات طرح نمطي ممل ولا جديد فيه وقد يؤثر ذلك على عدد قرائها أو تسجل تراجعا للوراء... بعض رؤساء تحرير الصحف في بلادنا التي امتدت رئاستهم سنوات طويلة تذكرني برؤساء الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الشيوعية سابقا.. أسماء محددة لم يزحهم عن كرسي الرئاسة إلا الموت، حتى المرض ولو كان عضالاً لم يزحهم. أنا أتكلم عن رؤساء تحرير ظلوا سنوات طويلة في مناصبهم دون أن يقدموا عملا يشفع لهم بالبقاء وبقيت مطبوعاتهم (مكانك راوح) أو أن الصحيفة ماتت وانسحبت من السوق بشكل نهائي لعدم قدرتها على الصمود. لا توجد حقوق واضحة للصحفي، ما هي أسباب ذلك، وما تأثيره على الصحفي واستقراره الوظيفي وهل توجد إمكانية لتغيير ذلك؟ _ نعم اتفق معك بأن لا حقوق للصحفي بل لا توجد بنود مكتوبة لهذه الحقوق، حتى العرف لا مكان له في ذلك.. الذي يحدد العلاقة بين الصحفيين ومطبوعاتهم عقد سنوي قد يجدد وقد لا يجدد، وهذا الغياب لا شك أن له تأثيرا سلبيا على إنتاجية وعمل الصحفي واستقراره الوظيفي، ومع ذلك يجب أن أشيد بمؤسسات صحفية أشركت بعض منسوبيها في الحصول على أسهم في المؤسسات التي يعملون بها وهو عمل رائع وخطوة في موضوع الأمان الوظيفي للصحفي، لذا يجب إقرار نظام ينظم علاقة العمل بين الصحفي ومطبوعته تلزم به الموسسات الصحفية. الصحافة السعودية انعكاس للصحفيين السعوديين، فهل حقق الصحفيون السعوديون احترافية عالية؟ _ (كيف تكونوا يؤمر عليكم) هذه المقوله الشهيرة أرى من وجهة نظري أنها تنسحب على الصحافة والصحفيين، وقد لمست خلال عملي في الصحافة خلال أربعة عقود في مطبوعات مختلفة، أن كثيرا من الصحفيين يملك احترافية عالية لكن مطبوعاتهم لم تستفد من هذه الفئة، ولذلك برزت في المجال "النطيحة والمتردية". وبعض رؤساء التحرير مارس القمع والتهميش للمبدعين والبارزين من الصحفيين بهاجس الخوف من إمكانية إزاحتهم له، أو عدم رغبة رئيس التحرير في تسجيلهم لنجاحات تجير لهم لا لرؤسائهم، وعموما لا زال الكثير من الصحفيين يؤدي عملا وظيفيا رتيبا دون أدنى اعتبار للمهنة وأخلاقياتها، بل أقصى حرصه أن يظهر اسمه في مواد وكتابات ساذجة لا تفيد القارئ وتنم عن قصور عقلي ومهني. هل يمكن أن نتخيل رئيس تحرير أو كاتباً أو صحفياً يكتب اسمه على مادة خبرية تتناول تركيب عيون قطط في طريق تمت إعادة سفلتته من جديد، وهل نتخيل أن يكتب مقالاً أو افتتاحية أو ملاحظة يطالب فيها بضرورة تركيب أدوات تسجيل عند الإشارات المرورية تبث آيات من القرآن الكريم عندما تكون الإشارة حمراء حتى لا ينشغل أصحاب المركبات في العبث بإنوفهم أو تمشيط شعر رؤوسهم إثر وقوفهم أمام الإشارة الحمراء، وهو طرح لا يقبل حتى في أفلام الكارتون، أو أن يضع رئيس التحرير أو المحرر (الصين الوطنية) مقوسة بعد القول المأثور اطلبوا العلم ولو في الصين لفرط حساسية رئيس التحرير والخوف من أن يكون المقصود الصين الشيوعية، أو أن تنشر الصحيفة خبراً عن تركيب ميزان حساس في إحدى مكاتب البريد لا تتجاوز قيمته ألف ريال ويذيل المحرر الخبر بقوله بأن هذا الميزان جاء بناء على توجيهات القيادة وأمير المنطقة ونائبه ووكيله ومدير عام البريد ومساعده وهو إقحام مضحك لهم في هذا الخبر.. عموما أغلب الصحفيين السعوديين جبلوا على نهج واحد ولم يطوروا أنفسهم مهنيا، صحيح أنهم تعاملوا باحترافة عالية مع ثورة الاتصالات ونجحوا في توظيفها لصالح مهنتهم لكن تطوير الصحفي لنفسه وقدراته المهنية من خلال القراءة والبحث واختيار الموضوعات ذات التأثير وتقدير عمله والتقيد بأخلاق المهنة هو الأهم في كل ذلك. يتهم بعض الصحفيين بأنهم يستغلون مواقعهم لتمرير مواد بمقابل مادي؟ _ لم أسمع بهذا، وإذا حدث فهو خيانة للأمانة وأخلاقيات المهنة، الذي أعرفه أن بعض الصحفيين يجلبون إعلانات لمطبوعاتهم مدفوعة واضحة وتذهب أسعارها إلى المطبوعة ويقتطع الصحفي نسبته منها بمعرفة مطبوعته، وما ذكرته في سؤالك إن حدث، فهو حالات فردية لا تصل إلى مستوى الظاهرة. من وجهة نظرك لماذا الصحافة السعودية يكثر فيها الصحفيون غير السعوديين؟ _ لا ضير في ذلك وهو أمر ليس معيبا، فالذي أعرفه أن زملاء من دول عربية لهم باع طويل وتجربة ثرية في صحافة بلدانهم استقدمتهم الصحف المحلية وعمل أغلبهم في المطبخ الصحفي والصياغة أو ما يسمى ب"الدسك" وساهموا في خلق كوادر مهنية سعودية استفادت من تجربتهم ومهنيتهم.